إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا زنت فاجلدوها ثم إن زنت فاجلدوها

          6837- 6838- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ الدِّمشقيُّ الأصل قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّدِ بن مسلمٍ الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين (ابْنِ عَبْدِ اللهِ) ولأبي ذرٍّ زيادة: ”ابن عتبة“ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) الجهنيِّ ( ☻ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم سُئِلَ عَنِ الأَمَةِ إِذَا زَنَتْ) تُحدُّ أم لا (وَلَمْ تُحْصَنْ) بفتح الصاد، في محلِّ الحال من فاعلِ «زنتْ» وصحبتِ الواو على المختارِ عندهم، وقد جاءتْ بغير واو في قولهِ تعالى: {فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ}[آل عمران:174] و«سُئِل» مبنيٌّ لما لم يُسمَّ فاعله، و«سُئِل» يتعدَّى بـ : «عن»، وتقييد حدِّها بالإحصان ليس بقيدٍ، وإنَّما هو حكاية حالٍ، والمرادُ بالإحصانِ هنا ما هي عليهِ من عفَّةٍ أو(1) حريةٍ لا الإحصان بالتَّزويج؛ لأنَّ حدَّها الجلدُ سواءً تزوَّجت أم لا (قَالَ) صلعم : (إِذَا) ولأبي الوقت: ”إن“ (زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا(2)) إنَّما أعاد الزِّنا في الجواب غير مقيَّدٍ بالإحصان للتَّنبيه على أنَّه لا أثر له، وأنّ(3) الموجبَ في الأمةِ مطلق الزِّنا، والخطابُ في «فاجلدوها»، لملَّاك الأمة(4)، فيدلُّ على أنَّ السَّيِّد يقيم على عبده وأمته الحدَّ، ويسمع البيِّنة عليهما، وبه قال مالك والشَّافعيُّ وأحمد والجمهور من الصَّحابة والتَّابعين ومن بعدهم، خلافًا لأبي حنيفة في آخرين، واستثنى مالكٌ القطع في السَّرقة؛ لأنَّ في القطع مُثْلةً، فلا يُؤْمَن السَّيِّدُ أن يريد أن يمثِّل بعبده، فيُخشى أن يتَّصل الأمر بمن يعتقدُ أنَّه يُعتَقُ بذلك، فيمنع من مباشرته القطع سدًّا للذَّريعة (ثُمَّ بِيعُوهَا) وأتى بـ «ثمَّ»؛ لأنَّ التَّرتيب‼ مطلوبٌ لمن يريد التَّمسُّك بأمته الزَّانية، وأمَّا من يريد بيعها من أوَّل مرَّة فله ذلك، و«لو» في قولهِ: (وَلَوْ بِضَفِيرٍ) شرطيَّة بمعنى «إنْ»، أي: وإن كان بضفيرٍ، فيتعلَّق بـ «ضفيرٍ»(5) بخبر كان المقدَّرة، وحذف «كان» بعد «لو» هذه كثير، ويجوز أن يكون التَّقدير: ولو تبيعونها(6) بضفير، فيتعلَّق حرف الجرِّ بالفعل، والضَّفيرُ _بالضاد المعجمة والفاء_ فعيل بمعنى مفعول، وهو الحبلُ المضفور، وعبَّر بالحبلِ للمبالغة في التَّنفير عنها وعن مثلها لما في ذلك من الفسادِ، والأمر ببيعها للنَّدب عند الشَّافعيَّة والجمهور، ولا يضرُّ عطفه على الأمر بالحدِّ مع كونه للوجوبِ؛ لأنَّ دَلالة الاقتران ليست بحجَّةٍ عند غير المزنيِّ وأبي يوسف، وزعم ابن الرِّفعة أنَّه للوجوبِ ولكن نُسخ.
          (قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلمٍ الزُّهريُّ _بالسَّند السَّابق_: (لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ) وفي رواية ”أَبَعْدَ“ بهمزة التَّسوية(7)، وأصلُها الاستفهام لكن لمَّا كان المستفهِم يستوي عنده الوجود والعدمُ وكذا المستفهَم سُمِّيت بذلك، أي: لا أدري هل يجلدها ثمَّ يبيعها ولو بضفيرٍ بعد الزَّنية الثَّالثة (أَوِ الرَّابِعَةِ) وفي الحديث: أنَّ الزِّنا عيبٌ يُردُّ به الرَّقيق للأمرِ بالحطِّ من قيمةِ المرقوق إذا وُجدَ منه الزِّنا، كما جزم به النَّوويُّ، وتوقَّف فيه ابنُ دقيق العيد؛ لجواز(8) أن يكون المقصود الأمر بالبيعِ ولو انحطَّت القيمة، فيكون ذلك متعلِّقًا بأمرٍ وجوديٍّ لا إخبارًا عن حكمٍ شرعيٍّ؛ إذ ليس في الحديث تصريحٌ بالأمر بالحطِّ من(9) القيمةِ. انتهى.
          والحديث سبقَ في «البيع»، في «باب بيع العبد الزَّاني» [خ¦2153].


[1] في (ب) و(س): «و».
[2] «ثم إن زنت فاجلدوها»: ليست في (ص).
[3] في (د): «وإنما».
[4] في (ع) و(ص) و(د): «الإماء».
[5] «بضفير»: ليست في (د).
[6] في (د): «تبيعوها».
[7] قال العلَّامة قطة ⌂ : لعلَّ الصَّواب: «بهمزة الاستفهام» لأنها واقعة بعد: «لا أدري». تأمل.
[8] في (د): «بجواز».
[9] في (د): «بالأمر من حطّ».