إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سبعة يظلهم الله يوم القيامة في ظله

          6806- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ) بالتَّخفيف، ولأبي ذرٍّ‼ بالتَّشديد، كذا نسبَه في الفرع كأصله. وقال في «الفتح»: حَدَّثنا محمد، غير منسوبٍ، فقال أبو عليٍّ الغسَّانيُّ: وقع في رواية الأَصيليِّ: ”محمَّد بن مُقاتل“ وفي رواية القابسيِّ: ”محمَّد بن سلام“ والأوَّل هو الصَّواب؛ لأنَّ محمَّد بن مقاتل معروفٌ بالرِّواية عن عبد الله بنِ المبارك.
          قال الحافظ ابنُ حجرٍ: ولا يلزم من ذلك أن لا يكون هذا الحديثُ الخاصُّ عند(1) ابن سلَّام، والَّذي أشار إليه الغسانيُّ(2) قاعدة في تفسير من أُبْهِم، واستمرَّ إبهامُه فيكون كثرَةُ أخذهِ وملازمتهِ قرينةً في تعيينهِ، أمَّا إذا أورد(3) التَّنصيص عليه فلا، وقد صرَّح أيضًا بأنَّه ”محمَّد بن سلام“ أبو ذرٍّ في روايتهِ عن شيوخهِ الثَّلاثة، وكذا هو في معظم النُّسخ من رواية كريمةَ وأبي الوقتِ، قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المبارك (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ) بضم العين فيهما، ابن حفص بنِ عاصم بنِ عمر بنِ الخطَّاب (عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة(4) الأولى، الأنصاريِّ المدنيِّ (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ) أي: ابن عمر بنِ الخطَّاب (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: سَبْعَةٌ) أي: من الأشخاص؛ ليدخل النِّساء فيما يمكن أن يدخلنَ فيه شرعًا، والتَّقييدُ بالسَّبعةِ لا مفهومَ له، فقد روي غيرها، والَّذي تحصَّل من ذلك اثنان وتسعون(5) سبقتِ الإشارة إليها في «الزَّكاة» [خ¦1423] وقوله: «سبعةٌ» مبتدأٌ خبره (يُظِلُّهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ فِي ظِلِّهِ) أي: ظلِّ عرشه (يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ) ظلُّ العرش. أحدها (إِمَامٌ عَادِلٌ) يضعُ الشَّيء في محلِّه، و«عادلٌ» اسم فاعلٍ من عدل يعدلُ فهو عادلٌ (وَ) ثانيها (شَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ) زاد الجوزقيُّ من رواية حمَّاد بن زيد: ”حتَّى توفِّي على ذلك“ لأنَّ عبادتهُ أشقُّ من غيرهِ لغلبة شهوته (وَ) ثالثها (رَجُلٌ ذَكَرَ اللهَ فِي خَلَاءٍ) بفتح الخاء المعجمة فلام فألف فهمزة ممدودًا، في موضعٍ وحده إذ لا يكون ثمَّ شائبة رياءٍ، وفي نسخة: ”خاليًا“ أي: من النَّاس، أو من الالتفاتِ إلى غيرِ المذكور، وإنْ كان في ملأٍ (فَفَاضَتْ) بفاءين فألف فضاد معجمة، أي: سالتْ (عَيْنَاهُ) من خشيةِ اللهِ، كما زاده الجوزقيُّ في روايته، أو من الشَّوق إليه تعالى، وإسناد الفيضِ إلى العين مع أنَّ الفائض هو الدَّمعُ لا العين مبالغة؛ لأنَّه يدلُّ على أنَّ العين صارتْ دمعًا فيَّاضًا (وَ) رابعها (رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسْجِدِ) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”في المساجد“ أي: من شدَّةِ حبِّه لها وإن كان خارجًا عنها، وهو كنايةٌ عن انتظاره أوقات الصَّلاة (وَ) خامسها (رَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ) أي: بسببه لا لغرضٍ دنيويٍّ، ولم يقل في هذه الرِّواية‼: «اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه» (وَ) سادسها (رَجُلٌ دَعَتْهُ) طلبتهُ (امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ) بفتح الميم وسكون النون وكسر الصاد المهملة، صاحبة نسبٍ شريفٍ (وَجَمَالٍ إِلَى نَفْسِهَا) إلى الزِّنا (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“ (إِنِّي أَخَافُ اللهَ) وهذا موضع التَّرجمة على ما لا يخفَى (وَ) سابعها (رَجُلٌ تَصَدَّقَ بصدقةٍ) تطوُّعًا (فَأَخْفَاهَا) ولأبي ذرٍّ: ”تصدَّقَ فأخفَى“ (حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا صَنَعَتْ) وفي «الزَّكاة» [خ¦1423] وغيرها «ما تنفقُ» (يَمِينُهُ) كأن يتصدَّقَ على الضَّعيفِ في صورةِ المشتري منه، فيدفع له مثلًا درهمًا فيما يساوي نصفَ درهم، فهي في الصُّورة مبايعة، وفي الحقيقة صدقة.
          والحديث سبق في «الصَّلاة» [خ¦660] و«الزَّكاة» [خ¦1423] و«الرِّقاق» [خ¦6479].


[1] في (ص) و(ل): «عن».
[2] في (س): «الجياني». وهو هو: الغساني نسبة إلى القبيلة، والجياني إلى البلدة، والمسمَّى واحد.
[3] في (س): «ورد».
[4] في (ب) و(س): «الباء».
[5] في (د): «وسبعون».