إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله

          6755- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ) أبو رجاءٍ البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو ابنُ عبد الحميد (عَنِ الأَعْمَشِ) سليمان بنِ مهران (عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ) يزيدَ بن شريك بنِ طارق التَّيميِّ، أنَّه (قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ ☺ : ما عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ) وفي «باب حرمِ المدينة» من آخر «كتاب الحجِّ»: «ما عندنا شيءٌ» [خ¦1870] (إِلَّا كِتَابَ اللهِ) ╡ (غَيْرَ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ) قال في «الكواكب»: «غيرَ» حالٌ، أو استثناءٌ آخر، وحرف العطف مقدَّر، كما قال الشَّافعيُّ رحمة الله عليه: «التَّحيات المباركات الصَّلوات» تقديره: والصَّلوات (قَالَ) يزيدُ بن شريك: (فَأَخْرَجَهَا) أي: الصَّحيفة (فَإِذَا فِيهَا أَشْيَاءُ) جمع: شيءٍ، لا ينصرفُ. قال الكسائيُّ: لكثرةِ استعمالها(1) (مِنَ الجِرَاحَاتِ) بكسر الجيم، أي: من أحكامِ الجراحاتِ (وَأَسْنَانِ الإِبِلِ) بفتح همزة «أَسنان»(2) أي: إبل الدِّيات، أو الزَّكاة، أو أعمُّ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”وقال“: (وَفِيهَا المَدِينَةُ) طيبةُ (حَرَمٌ) بفتحتين، محرَّمة (مَا بَيْنَ عَيْرٍ) بفتح العين المهملة وسكون التحتية بعدها راء، جبلٌ بالمدينة (إِلَى ثَوْرٍ) بفتح المثلثة، قيل: إنَّه اسم جبلٍ بها أيضًا، وإن كان المشهورُ أنَّه بمكة، وقيل: الصَّحيح أن بدلَه أُحدٌ، أي: ما بين عَيْر إلى أُحدٍ. ولأبي ذرٍّ: ”إلى كذَا“ بدل قوله: «إلى ثور»، (فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا) مخالفًا لما جاء به النَّبيُّ صلعم (أَوْ آوَى) بمدِّ الهمزة (مُحْدِثًا) بضم الميم وكسر الدال المهملة، أي: مَن نصرَ جانيًا وآواهُ وأجارَهُ(3) من خصمِهِ، وأحال(4) بينه وبين أن يقتصَّ منه (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ) أي: البعدُ من الجنَّة الَّتي هي دارُ الرَّحمة في أوَّل أمرهِ لا مطلقًا (وَ) لعنةُ (المَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يُقْبَلُ) بضم التحتية وفتح الموحدة‼ (مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ) فرضٌ (وَلَا عَدْلٌ) نفلٌ، أو بالعكسِ، أو غير ذلك ممَّا سبق في «الحجِّ» [خ¦1870] (وَمَنْ وَالَى) بفتح اللام، اتَّخذ (قَوْمًا) مَوالي (بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) ليسَ الإذنُ لتقييدِ الحكم بعدمِ الإذنِ والقصرِ عليه، وإنَّما ورد الكلامُ بذلك على أنَّه الغالب (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ) بضم التَّحتية (مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ) ولأبي ذرٍّ: ”لا يقبلُ اللهُ منهُ يومَ القيامةِ صَرْفًا ولا عَدْلًا“ (وَذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ) أي: أمانُ المسلم للكافرِ صحيحٌ، والمسلمون كنفسٍ واحدةٍ فيه (يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) كالعبد والمرأة، فإذا أمَّنَ أحدُهم حربيًّا لا يجوزُ لأحدٍ أن ينقضَ ذمَّته (فَمَنْ أَخْفَرَ) بخاء معجمة ساكنة وفتح الفاء (مُسْلِمًا) أي: نقضَ عهده (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ، وَالمَلَائِكَةِ، وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ).
          وصحَّح ابنُ حبَّان من حديثِ عائشة مرفوعًا: «مَن تولَّى إلى غيرِ مَواليه فليتبوَّأ مقعدَه من النَّار». قال ابن بطَّال _فيما ذكره عنه في «فتح الباري»_: وفي الحديث: أنَّه لا يجوزُ للمعتق أن يكتبَ فلان بن فلان، بل يقول: فلانٌ مولى فلان، ويجوزُ(5) له أن يُنْسَبَ إلى نسبهِ كالقرشيِّ. وقال غيرُه: الأولى أن يفصحَ بذلك أيضًا كأن يقول: القرشيُّ بالولاء، أو مَولاهم. قال: و(6)فيه أنَّ من علم ذلك وفعلَه سقطَتْ شهادتُه لما يترتَّب عليه من الوعيدِ، وتجبُ عليه التَّوبة والاستغفار.


[1] قال الشيخ قطَّة ⌂ : عبارة الجوهري: وقال الكسائي: أشياء أفعال مثل: فرخ وأفراخ، وإنما تركوا صرفها لكثرة استعمالهم لها لأنها شبهت بفعلاء، وهذا القول يدخل عليه ألا يصرف أبناء وأسماء؟!.
[2] في (ع): «الهمزة في أسنان».
[3] في (ب): «أو جاره».
[4] في (ب) و(س): «أو حال».
[5] في (ع): «يجيز».
[6] «و»: ليست في (ع) و(د)، وفي (د): «وقال».