إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ميراث الجد مع الأب والإخوة

          ░9▒ (باب) بيان حكم (مِيرَاثِ الجَدِّ) من قِبَلِ الأبِ (مَعَ الأَبِ وَالإِخْوَةِ) الأشقَّاء ومن الأب (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ ، ممَّا وصله الدَّارميُّ _بسندٍ على شرط مسلمٍ_ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ (وَابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ، ممَّا أخرجهُ محمَّد بن نصر المروزيُّ في «كتاب الفرائض» من طريق عَمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عبَّاس. والدَّارميُّ بسندٍ صحيحٍ، عن طاوس، عنه (وَابْنُ الزُّبَيْرِ) عبدُ الله، ممَّا سبق موصولًا [خ¦3658]‼ في «المناقب»: (الجَدُّ أَبٌ) أي: حُكمه حُكمه عند عدمِه، فكما أنَّ الأب يرثُ بالفرض مع وجود فرعٍ ذكرٍ وارثٍ وفرضه السُّدس، ويرثُ بتعصيبٍ مع فَقْدِ فرعٍ وارثٍ، ويرث بالفرضِ والتَّعصيب معًا مع فرع أُنثى وارثٍ فله السُّدس فرضًا، والباقِي بعد فرضها يأخذُه بالتَّعصيب و(1)كذلك الجدُّ للأبِ إلَّا في مسائل، وهي أنَّ بني العلَّات والأعيان يَسقطون بالأبِ، ولا يَسقطون بالجدِّ إلَّا عند أبي حنيفة، والأمُّ مع أحد الزَّوجين والأبِ تأخذُ ثلث ما يبقى(2) ومع الجدِّ ثلث الجميع؛ لأنَّه لا يساويها في الدَّرجة بخلافِ الأب، إلَّا عند أبي يوسف فإنَّ عنده الجدَّ كالأبِ. وأمُّ الأب وإن علَت تسقط بالأبِ ولا تسقط بالجدِّ؛ لأنَّها لم تُدْلِ به بخلافها في الأبِ، وإن تساويا في أنَّ كلًّا منهما يُسقط أمَّ نفسه، والمُعْتِقُ إذا ترك أبا المُعْتِقِ وابنَه فسدسُ الولاءِ للأبِ والباقي للابنِ عند أبي يوسف، وعندهمَا كلّه للابنِ، ولو تركَ ابنَ المُعْتِق وجدَّه فالولاء للابن كلُّه(3).
          (وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ مستدلًّا لقولهِ: «الجدُّ أبٌ» قولَه تعالى: ({يَا بَنِي آدَمَ }[الأعراف:26]) فأطلق على آدمَ أبًا وهو جدُّنا الأعلى، فإطلاقه على أب(4) الأب أولى، وقوله تعالى: ({وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ}[يوسف:38]) فأطلقَ الآباء علَى الأجداد(5) (وَلَمْ يَـُذْكُـَرْ) بفتح التحتيَّة بالبناءِ للفاعل. وقال في «الفتح»: للمجهولِ، قلتُ: وهو الَّذي في «اليونينيَّة» (أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ) ☺ ، فيما قاله أنَّ الجدَّ حكمهُ حكمُ الأب (فِي زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ(6) صلعم مُتَوَافِرُونَ) فيهم كثرةٌ، وهو إجماعٌ سُكوتيٌّ، فيكون حجَّةً، ونقل ذلك أيضًا(7) عن جماعةٍ من الصَّحابة والتَّابعين.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ ، فيما وصلهُ سعيدُ بن منصورٍ من طريق عطاء، عنه: (يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِي، وَلَا أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِي) أي / : فلِمَ لا يرثُ الجدُّ؟ فهو ردٌّ على من حجبَ الجدَّ بالإخوة، أو المعنى: فلِمَ لا يرثُ الجدُّ وحدَه دون الإخوة، كما في العكس، فهو ردٌّ على مَن قال بالشَّرِكة بينهما، وقال ابنُ عبد البرِّ: أي(8): لمَّا كان ابنُ الابن كالابنِ عند عدمِ الابنِ كان أبو الأبِ عند عدمِ الابنِ كالأب.
          (وَيُذْكَرُ) بضم أوَّله للمجهول بصيغة التَّمريض (عَنْ عُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ (وَعَلِيٍّ) هو ابنُ أبي طالب (وَابْنِ مَسْعُودٍ) عبد الله (وَزَيْدٍ) أي: ابن ثابتٍ ♥ (أَقَاوِيلُ) بالرَّفع مفعولٌ ناب عن الفاعل (مُخْتَلِفَةٌ) فكان عمرُ يقاسمُ الجدَّ مع الأخ والأخوين، فإذا زادوا(9) أعطاه الثُّلث، وكان يعطيهِ مع الولد السُّدس‼. رواه الدَّارميُّ.
          وأخرج البيهقيُّ بسندٍ صحيح: أنَّ عمرَ قضى أنَّ الجدَّ يقاسمُ الإخوةَ للأب والإخوة(10) للأمِّ ما كانت المقاسمةُ خيرًا له من الثُّلث، فإن كثرت الإخوة أعطى الجدَّ الثُّلث، وفي «فوائد أبي جعفر الرَّازي» بسندٍ صحيحٍ إلى ابنِ عونٍ، عن محمَّد بن سيرين: سألتُ عُبيدة بن عَمرو عن الجدِّ؟ فقال: «قد حفظتُ عن عُمر في الجدِّ مئة قضيَّةٍ مختلفةٍ». لكن استبعدَ بعضُهم هذا عن عمر، وتأوَّل البزَّار صاحب «المسند» قولَه: «قضيَّة مختلفة» على اختلاف حالِ من يرثُ مع الجدِّ، كأن يكون أخًا واحدًا أو أكثر، أو أختٌ واحدةٌ أو أكثر، ويردُّ هذا التَّأويل ما أخرجه يزيد ابن هارون في «كتاب الفرائض» عن عُبيدة بن عمرو، قال: «إنِّي لأحفظ عن عمرَ في الجدِّ مئة قضيَّةٍ كلُّها ينقضُ بعضُها بعضًا».
          وأمَّا عليٌّ فأخرجَ ابنُ أبي شيبة ومحمَّد بن نصر بسندٍ صحيحٍ، عن الشَّعبيِّ: كتبَ ابن عبَّاسٍ إلى عليٍّ(11) يسأله عن ستَّة إخوةٍ وجدٍّ، فكتبَ إليه أنِ اجعلْه كأحدهم وامحُ كتابي. وعند ابنِ أبي شيبة عن عليٍّ: أنَّه أفتى في جدٍّ وستَّة أخوةٍ فأعطى الجدَّ السُّدس.
          وأمَّا عبد الله بن مسعودٍ فأخرج الدَّارميُّ بسندٍ صحيحٍ إلى أبي إسحاق السَّبيعيِّ قال: دخلت على شُرَيحٍ وعنده عامر _يعني: الشَّعبيَّ_ في فريضةِ امرأةٍ منَّا تسمَّى العالية تركتْ زوجَها وأمَّها وأخاها لأبيها وجدَّها...، فذكر قصَّة، وفيها أنَّ ابنَ مسعودٍ جعل للزَّوج ثلاثة أسهُمٍ النِّصف، وللأمِّ ثلث ما بقيَ، وهو السُّدس من رأسِ المال، وللأخِ سهمًا، وللجدِّ سهمًا.
          وفي «كتاب الفرائض» لسفيان الثَّوريِّ: كان(12) عمر وابن مسعودٍ يكرهان أن يفضِّلا أبًا(13) على جدٍّ.
          وأمَّا زيدٌ فروى عبد الرَّزَّاق من طريق إبراهيم، قال: كان زيدُ بن ثابتٍ يُشْرِكُ الجدَّ مع الإخوةِ في الثُّلث، فإذا بلغَ الثُّلث أعطاه إيَّاه، وللإخوةِ ما بقيَ، ويقاسمُ الأخَ للأب، ثمَّ يردُّ على أخيهِ، ويقاسم بالإخوةِ من الأب مع الإخوة الأشقَّاء، ولا يُورِّث الأخوة للأب شيئًا، ولا يُعطي أخًا لأمٍّ مع الجدِّ شيئًا.
          قال ابنُ عبد البرِّ: تفرَّد زيدٌ من بين الصَّحابة في معادلتهِ الجدَّ بالإخوة للأب مع الإخوة الأشقَّاء، وخالفه كثيرٌ من الفقهاء القائلين بقولهِ في الفرائض في ذلك؛ لأنَّ الإخوةَ من الأبِ لا يرثون مع الأشقَّاء فلا معنى لإدخالهم معهم؛ لأنَّه حيفٌ على الجدِّ في المقاسمةِ، قال: وقد سألَ ابنُ عبَّاس زيدًا عن ذلك، فقال: إنَّما أقول في ذلك برأيي، كما تقول أنتَ برأيك. انتهى.
          وهو‼ محجوبٌ بالأب لإدلائهِ به، ويرثُ معَ الابن وابن الابن وإن سَفَل السُّدس فرضًا، ومع البنتين أو بنتي الابنِ وإن سَفَل فصاعدًا السُّدس فرضًا، وما بقي تعصيبًا، ولا ترثُ معه الإخوة والأخوات لأمٍّ، فإن كانوا لأمٍّ وأبٍ أو لأبٍ وليس معهم صاحبُ / فرضٍ فله الأحظُّ من مُقَاسمتهم وأخذ جميع الثُّلث، فالقسمةُ لأنَّه كالأخِ في إدلائهِ بالأب، والثُّلثُ لأنَّه إذا اجتمعَ مع الأمِّ أخذَ ضِعفها، فله الثُّلثان ولها الثُّلث، والإخوة لا يُنقصونها عن السُّدس(14)، فوجبَ أن لا ينقصُوا الجدَّ عن ضعفهِ وهو الثُّلث، ويعدُّ الإخوةُ والأخوات لأبٍ وأمٍّ عليه الإخوة والأخواتِ لأبٍ في الحساب، ولا يرثُ معهم إلَّا إذا تمحَّض أولاد الأبوين إناثًا، فما زادَ على فرضهنَّ لأولادِ الأب، فلو كان مع الجدِّ شقيقةٌ وأخٌ وأختٌ لأب، فتعدُّ الشَّقيقةُ الأخَ والأختَ على الجدِّ فتستوي له المقاسمةُ وثلثُ الباقي، فله سهمان من ستَّة، وتأخذ الشَّقيقةُ النِّصفَ ثلاثة، يبقى واحدٌ على ثلاثةٍ لا يصحُّ ولا يُوَافِق، تضرِب ثلاثةً في ستَّةٍ فتصحُّ من ثمانيةَ عشر، فإن كان معهم صاحب فرضٍ فللجدِّ الأحظُّ من المقاسمةِ وثلث الباقي وسدس التَّركة، وقد لا يبقى بعد الفرضِ شيءٌ؛ كبنتينِ وأمٍّ وزوج فيفرضُ للجدِّ سدس، ويزاد في العولِ فتَعُول هذه المسألة إلى خمسة عشَر، وقد يبقى سدسٌ كبنتين وأمٍّ فيفوز الجدُّ به؛ لأنَّه لا ينقص عنه إجماعًا إذا وَرِثَ، وتسقطُ الإخوة والأخواتُ في هذه الأحوال الثَّلاث لاستغراقِ ذوي الفروضِ التَّركة، وقد أجمعوا على أنَّ الجدَّ لا يرثُ مع وجودِ الأب، ولا ينقص من(15) السُّدس إلَّا في الأكدريَّة، وهي زوجٌ وأمٌّ وأختٌ لغير أمٍّ وجدٍّ، فللزَّوج النِّصف وللأمِّ الثُّلث وللجدِّ السُّدس وللأخت النِّصف فتَعُول المسألةُ من ستَّةٍ إلى تسعةٍ، ثمَّ يُقسم للجدِّ والأخت نصيبهما(16) _وهما أربعة_ أثلاثًا، له الثُّلثان ولها الثُّلث، فيُضْرَبُ مخرَجُه في التِّسعة، فتصحُّ المسألةُ من سبعةٍ وعشرين للزَّوج(17) تسعةٌ، وللأمِّ ستَّةٌ، وللأخت أربعةٌ، وللجدِّ ثمانيةٌ، وإنَّما فرضَ للأخت مع الجدِّ ولم يعصِّبْها فيما بقيَ لنقصهِ بتعصِيبِهَا فيه عن السُّدُس فرضِهِ(18)، واقتسام فرضيهِمَا كمَا تقدَّم بالتَّعصيبِ، ولو كان بدلَ الأختِ أخٌ سقَطَ، أو أُختان، فللأمِّ السُّدُس ولهما السُّدُس الباقي، وسُمِّيَت الأكدريَّة؛ لأنَّها كدَّرت على زيدٍ مذهبَهُ لمخالفتِهَا القواعِدَ‼، وقيل: لأنَّ سائلَها اسمُه أكْدَر.


[1] «و»: ليست في (س).
[2] في (د) و(ع): «بقي».
[3] في غير (د): «كلّه للابن».
[4] في (س): «أبي».
[5] في (س) و(ص): «فأطلق عليهم آباؤهم أجداد»، وثبتت هذه.
[6] في (د) و(ص) و(ع) و(ل): «محمَّد».
[7] في (ب) و(س): «أيضًا ذلك».
[8] «أي»: ليست في (د).
[9] في (ص): «أرادوا».
[10] «والأخوة»: ليست في (د).
[11] في (ع): «من».
[12] في (د): «عن».
[13] هكذا في كلّ الأصول، والذي في المطبوع من الفرائض للنووي «أمًّا» وهو الذي في الفتح.
[14] في (ص): «الثلث».
[15] في (ب) و(س): «عن».
[16] في (س): «نصيباهما».
[17] في (ب) و(س): «فللزوج».
[18] في (ص): «ولهما السدس».