إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: إذا حرم طعامه

          ░25▒ هذا(1) (بابٌ) بالتَّنوين (إِذَا حَرَّمَ) شخص(2) (طَعَامَه) ولأبي ذرٍّ: ”طعامًا“ كأن يقول: طعامُ كذا حرامٌ عليَّ، أو نذرتُ للَّهِ‼، أو للَّهِ عليَّ أن لا آكل كذا، أو لا أشربَ كذا، وهذا(3) من نذر اللَّجَاج، والرَّاجحُ عدم الانعقادِ إلَّا إنْ قَرَنه بحلفٍ فيلزمُه كفَّارة يمين.
          (وَقولهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ}) من شُرْب العسل، أو ماريةَ القبطيَّة ({تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}) قال في «فتوح الغيب»: {تَبْتَغِي} إمَّا تفسير لـ {تُحَرِّمُ} أو حال، أو استئنافٌ(4)، والفرقُ أنَّه على التَّفسير ابتغاءُ مَرْضاتهنَّ عين التَّحريم، ويكون هو المنكر، وإنَّما ذكر التَّحريم للإبهامِ تفخيمًا وتهويلًا، فإنَّ ابتغاءَ مَرْضاتهنَّ من أعظمِ الشُّؤون، وعلى الحالِ الإنكارُ واردٌ(5) على المجموعِ دفعةً واحدةً، ويكون هذا التَّقييد مثل التَّقييد في قولهِ: {لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً}[آل: عمران:130] وعلى الاستئنافِ لا يكون الثَّاني عين الأوَّل؛ لأنَّه سؤالٌ عن كيفيَّة التَّحريم كأنَّه لمَّا قيل له(6): {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} قال: كيف أحرِّم؟ فأُجيب: {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} وفيه تكرير الإنكارِ، والتَّفسير الأوَّل _أَعْني: التَّفسير_ هو التَّفسير لما جَمَع من(7) التَّفخيم والتَّعظيم، ولذلك أردفَه بقوله: {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} جبرانًا له. فإن قلت: تحريمُ ما أحلَّ الله غير ممكنٍ فكيف قال: لم تحرِّم ما يحلُّ الله لك(8)؟ أُجيب بأنَّ المراد بهذا التَّحريم هو الامتناعُ من الانتفاعِ لا اعتقاد كونه حرامًا بعدما أحلَّه الله(9) ({قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ}) أي: بيَّن الله لكُم ({تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}[التحريم:1_2]) بالكفَّارةِ، أو شرعَ لكم الاستثناء في أيمانِكم، وذلك أن يقول: إن شاءَ الله، عقبها حتَّى لا يحنثَ، وسقط لأبي ذرٍّ من قولهِ «{وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (10)}...» إلى آخره.
          (وَقولهِ) تعالى: ({لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ}[المائدة:87]) ما طابَ ولذَّ من الحلال، أي: لا تمنعوا أنفسَكُم كمنع التَّحريم، أو لا تقولوا: حرَّمناها على أنفسِنَا، مبالغةً منكم في العزمِ على تركهَا تزهُّدًا منكم وتقشُّفًا.


[1] «هذا»: ليست في (د).
[2] في (د): «الشخص».
[3] في (ع) و(د): «وهو».
[4] في (ص): «تفسير».
[5] في (ب): «وراد».
[6] «له»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[7] في (د): «بين».
[8] «فكيف قال لم تحرم ما يحل الله لك»: ليست في (د).
[9] في (ع): «لقولهِ ما أحل الله لك»، وفي (د): «بعد ما أحل الله له».
[10] «رحيم»: ليست في (د).