افتتاح القاري لصحيح البخاري

في الدافع لجمع الصحيح

          وقال أيضًا: (فقد حدَّثونا عن محمَّد بن إسماعيل أنَّه قال: كنَّا على باب إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فسمعتُ أصحابنا يقولون: لو جَمَعَ جَامِعٌ مختَصَرًا صحيحًا تُعرف به الآثار، فأخذتُ في جمع هذا الكتاب). انتهى.
          وهذه الحكاية رواها المعمر بن محمَّد بن الحسين: أخبرنا أحمد بن علي الحافظ: أخبرني محمَّد بن أحمد بن يعقوب: أخبرنا محمَّد بن عبد الله: سمعت خلف بن محمَّد: سمعت إبراهيم بن معقل: سمعتُ أبا عبد الله البخاريَّ يقول: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال لنا بعض أصحابنا: (لو جمعتم كتابًا مختصرًا لسنن النَّبيِّ صلعم. فوقع ذلك في قلبي، فأخذتُ في جمع هذا الكتاب).
          ورواها الحافظ أبو بكر الخطيب البغداديُّ في ((تاريخه)) فقال: أخبرني محمَّد بن أحمد بن يعقوب: أخبرنا محمَّد بن نعيم الضَّبِّيُّ: سمعت خلف بن محمَّد بن إسماعيل البخاريَّ: سمعت / إبراهيم بن معقل النَّسفيَّ، فذكرها.
          فهذه الحكاية فيها التَّصريح بسبب تأليف البخاريِّ كتابه الصَّحيح، وقد قيل: أنَّه عمل قبل كتاب الصَّحيح كتابًا يُقال له: المبسوط، وجمع فيه جميع كتبه على الأبواب، ثمَّ نظر إلى أصحِّ الحديث على ما رسمه، فأخرجه بجميع طرقه في كتابه الصَّحيح، وقد سمَّاه اسمًا مطابقًا لأحكامه موافقًا لإتقانه وإحكامه، وهو:
          ((الجامع الصَّحيح المختصر من أمور رسول الله صلعم وسننه وأيَّامه)).
          وقال عنه لمَّا فرغ من تأليفه وأبداه: / (وجعلته حجَّة فيما بيني وبين الله).
          فلهذا صار هذا الكتابُ عُمْدَةَ الدِّين، وعُدَّةَ المتعبِّدين، وسببًا للوصول إلى سبيل المتَّقين، وسَنَنًا إلى اتِّباع سُنَنِ سيِّد المرسلين صلَّى الله عليه وعليهم أجمعين.
          وقد ابتدأه مؤلِّفُهُ بما ابتدأ الله به نبيَّه عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام من أنواع الوحي المعظَّم، فقال _رحمة الله عليه _ [_ ولا زال الرِّضوان يُهْدى إليه_ :بسم الله الرَّحمن الرَّحيم](1)
          باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلعم. /


[1] ما بين معقوفين زيادة من (ب).