نظم اللآلي والدرر

في مناسبة ترتيب كتب الجامع

          الفَصْلُ الثَّامن:
          في مُناسَبَة تَرتيبِ كتُبِ «الجَامعِ» وَمَا اشْتَمَلتْ عليْهِ أواخرُهَا مِن بَراعةِ الختمِ.
          قالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَأمَّا مُنَاسَبَةُ ترتيبِ أبْوابِهِ عَلى مَا هي عليْهِ الآن؛ فقد وقفتُ في ذلكَ على مجلَّدةٍ لشيخِنا شيخِ الإسْلامِ سِراجِ الدِّينِ البلقينيِّ، لخَّصْتُ مَقَاصدَهَا هُنا، مَعَ مَا ضممْتُ إليْهَا(1) ممَّا يُشاكلُهَا، فأقولُ: بَدَأ المصنِّفُ بقوْلِهِ: كيْفَ كَانَ بَدْءُ الوَحيِ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم؛ لأنَّ بالوَحْيِ قَامت الشَّرائعُ، وَجَاءتِ(2) الرِّسَالةُ، ومنهُ عُرِفَ الإيمَانُ وَالعلمُ، وَكَان أوَّلُهُ إلى النَّبيِّ صلعم بمَا يقتضي الإيمَانَ مِن ذكرِ الرُّبوبيَّةِ، وَالأمْرِ بالقراءةِ، وَالأمْرِ بالإنذارِ فعقَّبَهُ «بكتَابِ الإيمَانِ»، وكانَ الإيمَانَ أشرفُ العلومِ، فقالَ: «كِتَابُ العِلْمِ»، وَالعلمُ سَابقٌ العَمَلَ، / وَأفْضلُ العملِ البَدنيِّ الصَّلاةُ، ومِن مُقدِّمَاتِهَا الطَّهَارةُ، فقالَ: «كتَابُ الطَّهَارَةِ»، فَذكرَهَا بأنواعِهَا، ثمَّ «الصَّلَاة» بأنْواعِهَا، ثمَّ مِنَ الأعمالِ مَا يَكونُ بَدَنيًّا محْضًا؛ وهوَ الصَّلاةُ، أوْ مَاليًّا محْضًا؛ وهو الزَّكاةِ، أو جَامِعًا بَيْنَهُمَا، فقالَ: «كِتَابُ الزَّكاةِ»، ثمَّ قالَ: «كتَاب الحَجِّ» مُرَتِّبًا للبَسيطِ قبْل المركَّبِ، وَكَان مِنَ العبَاداتِ مَا هوَ تَركٌ محضٌ؛ وَهُوَ «الصَّوْم»، فذكرَهُ؛ لأنَّهُ بقيَّةُ الأرْكانِ الخمسَةِ المذكورةِ في حديثِ ابْنِ عمرَ، وترجمَ على الحجِّ «بكتَابِ المناسِكِ»؛ ليَعُمَّ الحجَّ والعمْرةَ، وَكَانَ مُسْتحَبًّا لِمَن حجَّ أن يجتازَ بـ «المدينةِ» الشَّريفَةِ، فذكرَ ما يتعلَّقُ بذلك.
          وَهذهِ التَّراجمُ فيهَا مُعَامَلَة العبْدِ مَعَ الخالقِ، فَعَقَّبَهَا بمعاملةِ العبْدِ مع الخلقِ، فَقَالَ: «كتَابُ البُيُوعِ»، فذكرَ تراجمَ بيُوعِ الأعيَانِ، ثمَّ بيْعَ ديْنٍ على وَجْهٍ مخصُوصٍ؛ وهو «السَّلَم»، وَكَانَ البَيْعُ قدْ يقعُ قهْريًّا، فذكرَ «الشُّفْعَة»، وَلمَّا كَانَ البَيْعُ قدْ يقعُ فيهِ غبْنٌ مِن أحَدِ الجانبَيْنِ_إمَّا في ابْتداءِ العقدِ، أو في المجلسِ، وفيهَا مَا يقعُ على دَيْنَيْنِ لا يجبُ فيهِ قبضٌ في المجلسِ، ولا تعيينُ أحدِهمَا_؛ فذكرَ «الحَوَالَة»، وَكَانَ(3) في الحَوَالةِ انتقالُ الدَّيْنِ مِن ذمَّةٍ إلى ذمَّةٍ، فأرْدَفَهَا بمَا يقتضي / ضمَّ ذِمَّةٍ إلى ذِمَّةٍ، أوْ ضمَّ شيءٍ تُحفَظُ بهِ العلقةُ؛ وهيَ «الكَفَالةُ» و«الضَّمَانُ»، ثمَّ «الوَكَالَةُ» التي هي حفْظُ المَالِ، ولمَّا كانتِ الوَكَالةُ فيهَا توكُّلٌ على آدمِيٍّ؛ ذكرَ بعدهَا مَا فيهِ توكُّلٌ على اللهِ مِنَ «الحَرْثِ» و«الزِّراعَةِ»، وذكرَ فيهَا متعلِّقاتِ الأرضِ مِنَ « المَوَاتِ» و«الغَرْسِ» و«الشرْب»، وكانَ يقعُ في كثيرٍ مِن ذلكَ الإرْفَاقُ، فعقَّبَهُ بمَا فيهِ رفْقٌ وَفَضلٌ؛ وهوَ «القَرضُ»، ثمَّ ذكرَ « مُعَامَلَةَ الأرِقَّاء»؛ ليعمَّ جميْعَ المعَامَلاتِ.
          ولمَّا كانتِ المعَامَلاتُ لا بدَّ أن تقعَ فيهَا مُنازعةٌ؛ عقَّبَهَا بمَا يلائمُهَا، فَذكرَ «الأشخاصَ» و«المُلازَمَة» و«الالتِقَاط»، وَلَمَّا كان الالتقاطُ وضعُ اليَدِ بالأمَانةِ؛ عقَّبَهُ بوَضعِ اليَدِ تعدِّيًا، فذكرَ «المَظالمَ» و«الغصْبَ»، ومَا فيهِ غصْبٌ ظاهرٌ، وهوَ حقٌّ شرعيٌّ، وهوَ وضعُ الخشبِ في جدارِ الجارِ، ونحوِ ذلكَ، ولمَّا اشْتَمَلَ بعضُهُ على حقوقٍ مشتركةٍ؛ فذكرَ فيْهَا «النُّهْبَى».
          ثمَّ ذكرَ الاشتراكَ الخاصَّ؛ وهوَ «الشَّركة»، وَلمَّا كَانت هَذهِ المعامَلاتُ تتعلَّقُ بمصَالحِ الخَلْقِ؛ ذكرَ بعدَهَا مَا يتعَلَّقُ بمصْلحةِ المعَامَلةِ؛ وهوَ «الرَّهْنُ»، وكَانَ الرَّهْنُ يحْتاجُ إلى مِلكِ رقبَةٍ، فعقَّبَهُ بذكرِ «العِتْقِ» وتوابِعِهِ، وآخرُه الكتَابةُ، ولمَّا كانتِ المُكَاتبَةُ تسْتَدعي / هبةً؛ لقولِهِ تَعَالى: {وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] ؛ عقبَهَا بـ «الهبةِ»، وذكرَ معهَا «العُمْرى» و«الرُّقبى»، وَلمَّا كانتِ الهبَةُ نقلَ مِلك الرقبةِ بلا عوض؛ أرْدفهَا بنقلٍ في المنفَعَةِ بلا عوضٍ؛ وهيَ «العَاريَة» و«المنحَة»، ولمَّا كَان جميعُ مَا تَقدَّمَ يحتَاجُ إلى إشهَاد؛ قالَ: «كتاب الشَّهادات»، ولمَّا كَانت البيِّنَاتُ قد يقعُ فيهَا تَعَارضٌ؛ ترجمَ «للقرعةِ» في المشكلاتِ، ولمَّا كَانَ التَّعارُضُ قدْ يقعُ فيهِ صُلْحٌ؛ عقَّبَ بـ «كتابِ الصُّلحِ»، ولمَّا كَانَ الصُّلْحُ قدْ يقعُ فيهِ شرْطٌ؛ عقَّبَ بـ «الشُّروط»، وَلمَّا كَانت الشُّروط قد تقعُ في الحيَاةِ وبعدَ الوَفَاةِ؛ عقَّبَهُ بـ «كتَابِ الوَصيَّةِ» و«الوَقْفِ».
          فلمَّا انتهى مَا يَتَعَلَّقُ بالمعَامَلَةِ مَعَ الخالقِ في العبَادَاتِ، ثمَّ مَا يَتَعلَّقُ بالمعَاملَةِ مع الخَلْقِ؛ أرْدَفَهُمَا بمعَامَلةٍ جَامعَةٍ بمُعَامَلةِ الخَالقِ، وفيهَا نوْعُ اكتسَابٍ، وَهوَ «الجهَاد»، ولمَّا كَانَ القادمونَ مِنَ الجهَادِ قدْ تكونُ مَعهُم الغنيمَةُ؛ قالَ: «كِتَابُ الخمسِ»، وَكَانَ مَا يُؤخذُ مِنَ الكُفَّارِ يَكُونُ تَارَةً بالحربِ، وَتَارَةً بالمصَالحةِ، فقالَ: «كِتَابُ الجزيةِ»، وذكرَ توابِعَهَا مِنَ «المُوَادَعَةِ» و«العَهْدِ»، ولمَّا كانَ الجهادُ يشتمِلُ عَلى إزْهَاقِ الأنفسِ؛ / أرادَ أن يبيِّنَ أنَّ هذهِ المخلوقاتِ محدَثَاتٌ، وأنَّ مَآلَهَا إلى الفَنَاءِ، وأنَّهُ لا خلودَ لأحدٍ، فترجمَ «بَدْءُ الخَلقِ»، وَذكرَ فيه «الجنَّةَ وَالنَّار» اللتينِ(4) مآلُ الخَلْقِ إليْهمَا، وَنَاسَبَ «ذكرُ إبْليسَ وجنودِه» عقبَ صفةِ النَّارِ؛ لأنَّهُ مِن أهْلِهَا، ثمَّ ذكرَ «الجِنَّ»؛ لأنَّهمُ قبْلَ خلقِ آدم، ثمَّ ذكرَ «خلْقَ آدم» ومَنْ بَعْدَهُ مِنَ «الأنبياءِ»، وذكرَ فيهم ذا القرنيْنِ، وَلقمَانَ، وَمريمَ؛ لأنَّهم عندَهُ أنبيَاء، ثمَّ ذكرَ « أخبَارَ بني إسْرَائيل»، ولمَّا كانَ ذكرُ الأنبيَاءِ يَشتَمِلُ عَلى فَضَائلِهمْ؛ عقَّبَ ذلكَ «بمناقبِ هَذهِ الأمَّةِ»، وبدأ بقريْشٍ، رهطِ النَّبيِّ صلعم، وذكرَ أسْلمَ وَغَفَار؛ لأنَّهما أوَّلُ مَن أسْلمَ مِنَ القبَائلِ، وذكرَ إسْلامَ أبي ذرٍّ؛ لأنَّهُ غفَاريٌّ، ثمَّ ذكرَ «شمَائلَ النَّبيِّ صلَّى الله عليْهِ» وعلامَاتِ نبوَّتِهِ، ثمَّ «فضائلَ أصْحَابِه»، ثمَّ «سيْرتَه» و«مَغَازِيهِ» على ترتيبِ ما ثبتَ عندَهُ.
          وَمَا قُبِضَ صلعم إلَّا وشريعَتُهُ كاملةٌ، وَكتابُهُ قدْ كمُلَ نزولُهُ، فعقَّبَ بـ «كتَابِ التَّفسيرِ» ثمَّ ذكرَ «فضَائِلَ القرآنِ»، ولمَّا كَانَ مَا يتعلَّقُ بالكتابِ وَالسُّنَّةِ مِن التَّعَلُّقِ للتَّفقُّهِ،_وتقريرُ الأحْكَامِ يحصَلُ به حفظُ الدِّينِ في الأقطارِ، وبذلك تحصَلُ الحيَاةُ المعتبَرةُ_؛ عقَّبَهُ بمَا تحْصُلُ بهِ الحيَاةُ الجسْميَّةُ / التي يقومُ بهَا جيلٌ بعدَ جيْلٍ يحفظونَ ذلكَ، فَقالَ: «كتَابُ النِّكَاحِ»، وذكرَ بعْدَهُ «الرَّضاع»، لمَا فيهِ مِن متَعَلَّقات التَّحريمِ بهِ، ثمَّ ذكرَ باقي مُتَعَلِّقَات النِّكاحِ، ولمَّا كانَ النِّكاحُ اجتماعًا قد تعقبُهُ الفرقةُ؛ قال: «كتَابُ الطَّلاقِ»، ولمَّا كَانَ الفراقُ قد يكون مُؤقَّتًا، وقد يكونُ مؤبَّدًا؛ ذكرَ «الإيلاء»، ثمَّ «الظِّهارَ»، ثمَّ «اللِّعانَ»، ثمَّ لمَّا كانَ المؤَقَّتُ يَسْتَلزِمُ وَقتًا؛ فذكرَ «العِدَّةَ»، وإذا انتهى الوَقتُ؛ قد تحصُلُ المُراجَعةُ، فقالَ: «الرَّجعة»، ولمَّا كانَ العَقدُ قد يقعُ صحيحًا، وقدْ يقعُ فاسدًا؛ عقَّبَ «بمهرِ البغيِّ وَالنِّكاحِ الفاسدِ»، ولمَّا كَانَ النِّكاحُ يتعَلَّقُ بالزَّوجِ وَالزَّوْجةِ منه أحكام؛ ذَكرَ حُكمًا يتعلَّقُ بالزَّوجِ تَعَلُّقًا مسْتَمِرًّا؛ وَهَوَ «النَّفقَةُ»، ولمَّا كانتِ النَّفقةُ مِن المأكولاتِ؛ عقَّبَهَا بـ «الأطْعمَةِ»، ثمَّ كانَ مِنَ الأطْعمَةِ مَا هُوَ خاصٌّ؛ فعقَّبَهَا بـ «العقيقة»، وَلمَّا كَانَ فيهَا ذبحٌ؛ قالَ: «كتَابُ الذَّبائحِ»، ولمَّا كَانَ مِن المَذبُوحِ مَا يُصَادُ؛ قالَ: «الصَّيْد»، ولمَّا كَانَ الذَّبحُ يتكرَّرُ أو يتوقَّفُ؛ قالَ: «الأضاحي»، ولمَّا كانتِ المأكولاتُ تَسْتدعي المشْروبَاتِ؛ قالَ: «الأشربَةُ»، ولمَّا كَانتِ المأكولاتُ وَالمشرُوبَاتُ قد تضرُّ البدنَ؛ قالَ: «الطِّبُّ»، / وذكرَ فيهِ متعلِّقاتِ المرضِ وثوابَ المرضِ، ولمَّا كانَ الآكلُ وَالشَّاربُ يحتاجُ بدنه إلى السَّتْرِ؛ قالَ: «اللِّباس»، وذكرَ فيهِ الزِّينةَ وأحْكَامَها، والطيبَ وَأنواعَهُ، وَلمَّا كانَ كثيرٌ منهَا يتعلَّقُ بآدابِ النَّفسِ؛ عقَّبَهَا بـ «كتَابِ الأدبِ»، وكَانَ مِن جملةِ الأدبِ برُّ الوالديْنِ وَالإحْسَانُ إلى الأقاربِ، فقالَ: «البرُّ والصِّلَة»، ولمَّا كَانَ مِن جملةِ الإحْسَانِ ألَّا يدخلَ بغيْرِ إذنٍ؛ فقالَ: «السَّلامُ والاستئذان»، ولمَّا كانَ الاسْتئذانُ يسْتفتحُ الأبْوابَ السُّفليَّة؛ أردفَهُ بمَا يسْتفتحُ الأبْوابَ العُلويَّة؛ وَهوَ «الدُّعاء»، ولمَّا كَانَ الدعاء قدْ يكونُ سَبب المغفرةِ؛ عقَّبَهُ بـ «الاسْتغفارِ»، ولمَّا كانَت المغفرةُ تهْدمُ الذُّنوبَ؛ عقَّبَهَا بـ «التَّوبةِ» و«الذِّكرِ»، ولمَّا كانَ الذِّكرُ والدُّعَاءُ سببًا للاتِّعَاظِ؛ ذكرَ «الرَّقائق»، ولمَّا كانَ مَا يُدعى به قد يوافقُ القدَرَ أوَّلًا؛ عقَّب ذلك بـ «كتَابِ القدرِ»، ولمَّا كانَ القدرُ قد يُحالُ عليْهِ الأشيَاءُ المنذورَة؛ عقَّب(5) بـ«النَّذر»، ولمَّا كانَ النذرُ فيهِ كفَّارةٌ؛ أضافَ إليْهِ «الأيمَان»؛ لأنَّ فيهَا الكفَّارة، ثمَّ ذكرَ «الكفَّارة».
          وَلمَّا تمَّت أحْوالُ الأحْيَاءِ في الدُّنيَا؛ عقَّبَ بذكرِ أحْوالِهمْ بَعْدَ الموْتِ، فقال: «الفرائض»، ولمَّا تمَّ ذلكَ بغيْرِ جنايَةٍ؛ عقَّبَ / بـ «الحدودِ»، ولمَّا كانَ المرتدُّ لا يكفُرُ إذا كانَ مكرهًا؛ ذكرَ الإكراهَ، ولمَّا كانَ المكرَهُ قد يضمرُ في نفسِهِ حيلةً رافعةً؛ ذكرَ « الحيل» ومَا يحلُّ منها وَمَا يحرُم، ولمَّا كانَ فيهَا مَا يخفى؛ أرْدَفَهَا بـ «تعبيْرِ الرؤيا»، ولمَّا كانَ فيهَا لبَعضِ النَّاسِ فتنةٌ؛ كما قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء:60] ؛ عقَّبها بـ «الفتَنِ»، ولمَّا كَانت الفتنُ يُرجَع فيهَا إلى الأئمَّةِ؛ عقَّبها بـ «الأحكامِ» وأحْوالِ الأمَرَاءِ وَالقُضاةِ، ولمَّا كَانَ ذلكَ قد يُتَمنَّى؛ عقَّبهُ بـ «التَّمنِّي»، ولمَّا كانَ مدارُ الأحْكامِ على «أخبَارِ الآحادِ»؛ ذكرهُ في بَابٍ، ولمَّا كانت كلُّهَا تحتَاجُ إلى الكتابِ وَالسُّنَّةِ؛ عقَّبَهَا بـ «الاعتصامُ بالكتَابِ وَالسُّنَّةِ»، ولمَّا كانَ أصْلُ العصمةِ هو تَوْحيدُ الله؛ عقَّبه بـ «كتَابِ التَّوحيدِ»، ولمَّا كانَ آخرَ الأمُورِ التي يظهَرُ بها المفْلحُ مِن الخاسِرِ ثِقْلُ المَوازينِ أو خِفَّتُهَا؛ جعلَ آخرَ تراجمِ أبْوابِهِ (بَابُ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ} الآية [الأنبياء:47] )، وإنَّ أعمَالَ بني آدمَ تُوزَنُ، فبدأَ بـ «بَدْءِ الوحْيِ»؛ إذ به ظهَرَتْ حِكمةُ بدءِ الخَلْقِ؛ لقولهِ تَعَالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ، وَخَتَمَ بآخرِ الأحْوَالِ المُوجبَةِ / للاسْتِمْرَارِ، وافتَتحَ بحديث: «الأعمالُ بالنيَّاتِ»، وختمَ بكوْنِ الأعْمال تُوزَنُ، وَأشارَ بذلكَ إلى أنَّهُ إنَّما يُتَقَبَّلُ منهَا مَا كَانَ خالصًا، وأوْردَ فيه حديثَ: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، حبيبَتانِ إلى الرَّحمنِ، ثقيلَتانِ في الميزانِ»، فقولهُ: (كَلِمَتانِ خَفِيفَتَانِ) فيه ترْغيبٌ للتخفيف، وقوله: (حَبِيبَتَانِ) فيهِ حثٌّ على ذكرِهما؛ لمحبَّةِ الرَّحمنِ، وقولُهُ: (ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ) فيهِ إظهَارُ ثوابِهِما، وهاتان الكلمتَانِ مَعْنَاهمَا جَاءَ في ختامِ دعاءِ أهلِ الجنَّةِ، وذلك في قوْلِهِ تَعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس:10] ، انتهَى كَلامُ ابْن حجرٍ أوَّلَ «فَتحِ الباري» فيمَا يتعلَّقُ بمناسَبَةِ ترتيبِ كتبِ «الجامعِ».


[1] زيد في (أ): (مع)، ولعله سبق قلم.
[2] في (ب): (وجادت).
[3] في (ب): (وكأن).
[4] في (أ): (التي).
[5] في (ب): (عقبه)، وكذا في الموضع اللاحق.