بداية القاري في ختم صحيح البخاري

المقدمة

          ♫
          الحمد لله الَّذي ختم وَحْيه بإنزاله على أشرف العبيد، وجعل سنَّته مطهَّرة مقرونة بالحجج الواضحة والتَّأييد، ونصب لها أقوامًا أماتوا فيها نفوسهم فمالهم عن الحقِّ من مَحيد، وأيقظهم لها فحمَوها من طرق الباطل فصارت محفوفةً بالقوَّة والتَّسديد، الَّذي شرح صدور عباده المؤمنين بلوامح التَّسبيح والتَّحميد، ونوَّر قلوب العابدين بمصابيحِ التَّكبير وضياء التَّمجيد، وأطلق ألسِنة الذَّاكرين من قيد الغفلةِ بالتَّقديس وحلَّاهم / بصفاء التَّوحيد، وعقل عقول الموحِّدين بعِقال التَّنزيه عن الإحاطة به بتكييفٍ أو رسمٍ أو تحديد، واصطفى مِن بينهم سادةً سقاهم من شرابِ زُلالِ محبَّته وصفوة معرفتِه فهُمُ الأصفياء وخُلاصة العبيد، وروَّح أرواحهم بروحِ ارتياح سِرِّ كرمه الوافر ونواله المتواتر المديد، ونزَّه ألبابهم في رياض ارتياض رحمته الواسعة ورأفته البالغة وفضله المزيد، وختم أعمالهم بخاتم القَبول كما بدأها بالمعونة [والتسديد، فمن رحِمه فثقلت موازينه](1) ؛ فهو الرَّشيد السَّعيد، ومن خفَّت موازينه ولم يرحمه؛ فهو الشَّقيُّ الطَّريد .
          أحمدُه إذ منَّ علينا بختم «صحيح البخاريِّ» الجامع الفريد، وأشكره شكرًا ما عليه من مزيد، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له شهادةً صادرة عن يقين خالصةً عن شوب التَّقليد، وأشهد أنَّ سيِّدنا محمَّدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله واسطة عِقْد الأنبياء وعَمود الخيمة وبيت القصيد، صلعم وعلى آله وأصحابه وأتباعه الَّذين سلكوا إلى المنهج الرَّشيد، والمسلك السَّديد؛ صلاةً وسلامًا دائمين ما دام المولى فعَّالًا لِما يريد.
          وبعد:
          فهذه نبذة يسيرة سمَّيتها: «بداية القاري في ختم صحيح البخاري» نتكلَّم فيها على الباب الأخير من كتاب «الجامع الصَّحيح» للإمام البخاريِّ، سقى الله عهده صوب الرَّحمة والرُّضوان، وفاض عليه من شآبيب الغفران، وأسكنه أعلى الجنان، وبالله التَّوفيق والمستعان.


[1] في الأصل: (يقتضيه الضرورة).