أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا

          1089/ 6243- قال أبو عبد الله: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيه (1) :
          عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمْ أَرَ شَيْئاً أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
          قال: حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ (2) مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم : «إِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ».
          قوله: (مَا رأيتُ أَشْبَهَ بالَّلمَمِ) يُريدُ به (3) : اللَّمَمَ المَعْفُوَّ عنه المُسْتَثنى في الكتاب، وهو قوله ╡ : {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}(4) [النجم:32] ومعناه: ما يَلُمُّ به الإنسانُ من شَهواتِ النَّفْسِ (5)، وإنَّما سُمِّي النَّظَرُ والمَنْطِقُ (6) زِناً (7)؛ لأنَّهما من مُقَدِّماتِ الزِّنَا، وحقيقتُه إنما يقعُ بالفَرْجِ.
          وقال الشافعيُّ☼ إذا قال لرجلٍ (8) : زَنَتْ يَدْكَ؛ كانَ قَذْفاً، كما يقول: زَنَا فَرْجُكَ.
          قال بعضُ أصحابه (9) : يجبُ أن لا يكونَ هذا (10) قَذْفاً، واحْتَجَّ (11) بهذا الحديث، وقال: هو كما يقول: زَنَتْ عينُكَ؛ ولم يختلفوا أنَّه / ليس بقَذْفٍ (12).
          قلتُ: يُشْبِه أن يكونَ (13) الشافعيُّ إنَّما جعلَه قَذْفاً؛ لأنَّ الأفعالَ من فاعليها (14) تُضَافُ إلى الأيدي، كقوله ╡ : {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}(15) [الشورى:30] وكقوله: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [آل عمران:182] وليس ذلك بِمَقْصُورٍ على جِنَايةِ الأيدي دُون غيرها من الأعضاء، فكأنَّه إذا جَعَلَ اليدَ زانيةً صَارَ الزِّنَا وَصْفاً للذَاتِ؛ لأنَّ الزِّنَا لا يَتَبَعَّضُ، ولا يجوزُ أن يُحْمَلَ على معنى الكِنَاية في قوله (16)؛ لأنَّ المَكَانِيَ لا تكونُ قَذْفاً عنده.


[1] أقحم في الأصل هنا (عن ابن شهاب) وهو وهم.
[2] قوله: (من قول أبي هريرة.... باللمم) زيادة من الفروع.
[3] قوله: (به) زيادة من الفروع.
[4] قوله: (اللمم المعفو... والفواحش) سقط من (ر) و(ف).
[5] في (أ): (الأنفس).
[6] في (ر): (المنطق والمنظور).
[7] في (م): (بها).
[8] في (م): (الرجل).
[9] في الأصل (أصحا) والمثبت من الفروع.
[10] في الأصل: (هو)، والمثبت من الفروع.
[11] قوله: (كما يقول زنا... واحتج) سقط من (م).
[12] انظر: عمدة القاري (18/ 296).
[13] أقحم في (م) هنا: (قول).
[14] في الفروع: (فاعلها).
[15] (ويعفو عن كثير) ليست في (م).
[16] في (م): (قولهم).