أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث شقيق: كنت جالسًا مع عبد الله وأبي موسى

          91/ 347- قال أبو عبد الله: أخبرنا يعني مُحَمَّداً، قالَ: أخبَرنا أبو مُعاوِيَةَ، عن الأَعْمَشِ، عن شَقِيقٍ (1)، قالَ: كُنْتُ جالِساً مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فقالَ لَهُ أبو مُوسَىَ: لَوْ (2) أَنَّ رَجُلاً أَجْنَبَ، فَلَمْ يَجِدِ الماءَ شَهْراً أَما (3) كان يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ فَكَيْفَ تَصْنَعُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ في سُورَةِ (4) المائِدَةِ: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6] ؟ قالَ عَبْدُ اللهِ: لَوْ رُخِّصَ لَهُمْ في هَذا لأَوْشَكُوا إذا بَرَدَ عَلَيْهِمُ الماءُ (5) أَنْ يَتَيَمَّمُوا الصَّعِيدَ. قُلْتُ (6) : وَإِنَّما كَرِهْتُمْ هَذا لِذا (7) ؟ قالَ: نَعَمْ. فقالَ أبو مُوسَىَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ لِعُمَرَ (8) : بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم في حاجَةٍ، فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الماءَ، فَتَمَرَّغْتُ في الصَّعِيدِ كَما تَتمَرَّغُ الدَّابَّةُ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم فقالَ: «إِنَّما كان يَكْفِيكَ أَنْ (9) تَصْنَعَ / هَكَذا». وَضَرَب بِكَفِّهِ ضَرْبَةً على الأَرْضِ، ثُمَّ نَفَضَها، ثُمَّ مَسَحَ بِها ظَهْرَ كَفِّهِ (10) بِشِمالِهِ _أَوْ ظَهْرَ شِمالِهِ بِكَفِّهِ_ ثُمَّ مَسَحَ بِها وَجْهَهُ؟! فقالَ عَبْدُ اللهِ: أَفَلَمْ تَرَ عُمَرَ (11) لَمْ يَقْنَعْ بِقَوْلِ عَمَّارٍ. وَزَادَ (12) يَعْلَى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللهِ وَأَبِي مُوسَى، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ عَمَّارٍ (13) لِعُمَرَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم بَعَثَنِي أَنَا وَأَنْتَ، فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ بِالصَّعِيدِ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: «إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا (14)». وَمَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ وَاحِدَةً.
          قلتُ: فإن قيلَ: قولُ أبي موسى: (فكيف تصنعون بهذه الآية في سورة المائدة (15) {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة:6])، وقولُ عبد الله: (لو رُخِّص لهم في هذا لأوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يَتَيَمَّمُوا الصَّعيد) ثمَّ قولُ أبي موسى عند ذلك: (فإنَّما كرهتم هذا لذا؟ فقال: نعم). مُناظرة الظاهر منها يأتي على إبطال حكم الآية، وأَيُّ عُذرٍ لمن تَرك العمل بما في هذه الآية من أجل أنَّ بعض الناس عساهُ أن يستعملها على غير وجههَا، وفي غير حينها، وأنَّ الذي يتعمَّد استحلال ذلك لعلَّه قد يَستحلُّ أن يترك الطَّهارة أصلاً، فما مُوجبُ (16) الآية وحكمُها؟ وما الوجهُ فيما ذهبَ إليه عبد الله من إبطال هذه الرخصة، مع ما فيه من إسقاطِ الصلاة عمَّن هو مخاطب بها، مأمورٌ بإقامتها؟
          فالجوابُ: أنَّ عبد الله لم يذهب هذا المذهب الذي ظنَّه هذا القائل، وإنَّما كان تأوَّلَ المُلامَسة المذكورة في هذه الآية على غير معنى الجماع، وصار إلى أنَّ الذي اختاره من التأويل أشبهُ بمعنى الآية، وأحوط للتعبُّد؛ لأنَّه لو تأوَّل الآية (17) على معنى الجماع لكان ذلك (18) ذريعةً إلى الترخيص بما لا يُؤمنُ معه الخروجُ إلى خلاف / مُوجِب حكم الآية؛ من أجل ذلك اختار الوجه الآخر الذي هو مُلامَسَة البشرة مِن النساء، ولو كان أراد غير ذلك لكان فيه مخالفةُ الآية صَراحاً، وذلك ممَّا لا يجوز من مثله في علمه وفقهه.
          وقد حصل (19) من هذه القصَّة التي دارت (20) بين عمر وعَمَّار، وعبد الله وأبي موسى أنَّ رأي عمر وعبد الله انتقاض الطهارة بملامسة بشرة الرجل بشرة المرأة.
          وقول عمَّار: (تَمَرَّغْتُ في التراب) إنَّما هو لأنَّه حين رأى التراب بدلاً عن الماء استعمله في جميع ما يأتي عليه الماء.
          وفي الحديث بيان (21) أنَّ التيمُّمَ ضربةٌ واحدةٌ في الوجه والكفَّين حسب.
          وحديث (22) أبي الجَهْم بن (23) الصِّمَّة لا يصِحُّ في مَسح الذراعين (24)، والله أعلم (25).


[1] في (أ): (عن سفيان).
[2] قوله: (لو) زيادة من (ط).
[3] في (ط): (أو بما) وفي (أ): (لما).
[4] (سورة) سقطت من النسخ الفروع.
[5] في (م): (الماء عليهم).
[6] في النسخ الفروع: (قال).
[7] في (أ) و (م): (لهذا).
[8] (لعمر) سقط من (ط).
[9] (أن) سقطت من (أ).
[10] في (ر): (كفيه).
[11] في (ط): (أفلم تزعم).
[12] في النسخ الفروع: (وفي حديث).
[13] قوله: (وزاد يعلى.... قول عمار) زيادة من (ط).
[14] في النسخ الفروع: (هذا).
[15] (في سورة المائدة) سقط من (ط).
[16] في (أ) و (ر): و (م) (فما خبر) وفي (ف): (بتأخير).
[17] في النسخ الفروع: (لو تأولها).
[18] (ذلك): سقط من (ط).
[19] في (م): (فجعل).
[20] في النسخ الفروع: (ذكرت).
[21] في النسخ الفروع: (وفيه دليل).
[22] في النسخ الفروع: (لأن حديث).
[23] (بن): سقط من (ط).
[24] انظر: البخاري رقم (337▒ ورقم (338▒.
[25] قوله: (والله أعلم) زيادة من (أ).