أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة

          68/ 247- قال أبو عبد الله: حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مُقاتِلٍ، قالَ: أخبَرنا عَبْدُ اللهِ، قالَ: أخبَرنا سُفْيانُ، عن مَنْصُورٍ (1)، عن سَعْدِ بنِ عُبَيْدَةَ (2) :
          عن البَراءِ بنِ عازِبٍ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلعم : «إِذا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علىَ شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُلِ: اللَّـهُمَّ أَسْلَمْتُ (3) وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجا (4) مِنْكَ (5) إلَّا إِلَيْكَ، اللَّـهُمَّ آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فَإِنْ مُتَّ مِنْ (6) لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ علىَ الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَتَكَلَّمُ بِهِ». قالَ: فَعَدَّدْتُها على النَّبِيِّ (7) صلعم، فَلَمَّا بَلَغْتُ: «آمَنْتُ بِكِتابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ»، قُلْتُ (8) : وَرَسُولِكَ (9)، قالَ: «لَا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ».
          قوله: (إذا أتيتَ مضجعك فتوضَّأ) يريد: إذا أردت أن تأتي مضجعك (10) فتوضَّأ كقوله ╡ : {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} الآية (11) [المائدة:6]، يريد (12) إذا أردتم القيام إلى الصلاة (13) فقدِّموا لها الطهارة. وكقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (14) [النحل:98]، أي (15) : إذا أردتَ أن تقرأ القرآن (16) فَقدِّم الاستعاذة.
          وقوله: (رغبةً ورهبةً إليك) عَطَفَ الرَّهبة على الرَّغبة، ثمَّ أَعملَ لفظَ الرَّغبة وحدها، ولو أعمل كُلَّ واحدةٍ منهما لكان حَقُّه أن يقولَ: رغبةً إليك ورَهبةً مِنك (17). ولكنَّ العربَ تفعل ذلك كثيراً في كلامها، كقول (18) بعضهم:
ورأيتُ بَعلكِ في الوَغَا                     مُتَقَلِّداً / سَيْفاً ورُمْحاً (19)
          والرُّمحُ لا يُتَقَلَّدُ، وكقول آخر (20) :
وَزَجَّجْنَ (21) الحَواجِبَ والعُيونا (22)
          والعيون لا تُزَجَّجُ، وإنَّما تُكحَّلُ، إلَّا أنَّه لمَّا جمعها (23) في النظم حَمَلَ أحدهما على حُكْم (24) الآخر في اللفظ.
          و (الفِطرة) هاهنا (25) معناها: دينُ الإسلام، وقد تكون الفطرة بمعنى الخلقة، وتكون بمعنى السُّنَّة، كقوله: «خمس (26) من الفِطرة.» (27) فذكر: الخِتانَ والاسِتحداد وأخواتهما.
          وفي قول البراء حين قال: «ورَسُولِك» وتلقين النبيِّ (28) صلعم إيَّاه وقوله: «لا، ونبيِّك» (29) حُجةٌ لِمنْ لم يرَ أنْ يُروى (30) الحديثُ على المعنى إلَّا على متابعة اللَّفظ والتَّمسُّك به وترك المُفارقة له (31)، وهو مَذهَبُ عبد الله بن عمر بن الخطَّاب، والقاسم بن محمَّد، وابن سيرين (32)، ورجاء بن حَيوةَ (33)، وكذلك كان مذهب مالك بن أنس، وابن عُليَّة، وعبد الوارث، ويزيد بن زُريع، وَوُهَيب (34)، وإليه (35) كان يذهبُ هذا المذهب أبو العبَّاس أحمد بن يحيى النحويُّ، ويقول: ما مِنْ لفظةٍ من الألفاظ المتناظرة من (36) كلام العرب إلَّا وبينها وبين صاحبتها فرقٌ وإنْ دَقَّ ولَطُف، كقولك: بلى ونَعَم، وتَعَال وأقبلْ. ونحوها من الكلام.
          قلتُ: والفرقُ بين النبيِّ والرَّسول أنَّ النبيَّ هو المُنبَأ المُخبَرُ (37)، فعيلٌ بمعنى مُفعَل، والرَّسولُ: هو المأمورُ بتبليع ما نُبِّئ (38) وأُخبر به (39)، فكلُّ رَسولٍ نَبيٌّ، وليس كلُّ نَبيٍّ رسولاً.
          فقد يحتمل أن يكون معنى رَدِّهِ إيَّاه عن اسم الرسول إلى اسم النبيِّ أنَّ الرسول من باب المضاف، فهو يُنبئ من المُرسِلِ إلى المُرسَل (40) إليه، فلو قال: وبرَسولِكَ. ثمَّ أتبَعه بقوله (41) : الذي أرسَلتَ. لصارَ (42) البيان مُعاداً مكرراً (43)، فقال: ونَبيِّكَ الذي أرْسلتَ؛ إذْ قد كان نبيّاً قبل أن يكون رسولاً؛ ليجمع (44) له الثنَّاء بالاسْمَينِ معاَ؛ وليكونَ تعديداً (45) للنعمة (46) في الحالتين (47)، وتعظيماً للمِنَّة على الوجهين، / والله أعلم.


[1] في (ط) زيادة: (عن مجاهد).
[2] في (أ): (سعد بن عبيد).
[3] في (أ): (اللهم إني قد أسلمت) وفي (م): (اللهم إني أسلمت).
[4] في (ط): (لا منجا ولا ملجأ).
[5] (منك) سقطت من (ر).
[6] في (ط): (في).
[7] في (ف): (على رسول الله) وفوقها (على النبي).
[8] في (ف): (قال قلت).
[9] في (ف): (ورسولك الذي أرسلت).
[10] في (ف): (فراشك).
[11] (الآية) سقطت من (ط) وحرفت الآية فيها: (فاغسلوا أيديكم وأرجلكم إلى المرافق).
[12] في النسخ الفروع: (معناه).
[13] في (ر) و (ف): (إليها).
[14] في الأصل والفروع إلَّا (أ): (وإذا قرأت) وفي (ط): (إذا) والمثبت من (أ).
[15] في (ط): (يريد).
[16] في (ر) و (ف): (إذا أردت قراءة القرآن) وفي (أ) و (م): (إذا أردت قراءته).
[17] في (ط): (إليك).
[18] في النسخ الفروع: (قال).
[19] البيت لعبد الله بن الزبعرى في المفضليات 248 ومعاني القرآن للفراء 1/ 121، وتأويل مشكل القرآن 165، والكامل للمبرد 3/ 34، و الخصائص 2/ 131، والمخصص 4/ 136، وأمالي الشجري 2/ 321، والإنصاف 2/ 612، واللسان والتاج (قلد).
[20] في النسخ الفروع: (ونحوه قول الآخر). وفي (ف): (ونحوه قال آخر) وفوقها (قول).
[21] قوله (آخر وزججن) غير واضح في (ط).
[22] عجز بيت للراعي النميري في شعره 56 وصدره:~وهزَّة نِسوةٍ مِنْ حَيِّ صِدقٍ.
[23] في (ط): (جمعهما).
[24] (حكم) سقطت من (ط).
[25] في (أ) و (م): (هنا).
[26] في (م): (حسن).
[27] انظر: البجاري رقم (5889)، عن أبي هريرة.
[28] في (ط): (رسول الله).
[29] في (م): (لا شك) محرفاً.
[30] في النسخ الفروع: (لمن لم يجز رواية) وفي (م) (لم يجزي).
[31] في النسخ الفروع: (دون المعنى).
[32] في (ط): (وابن شيرين).
[33] في (ر): (بن حياة).
[34] في (ط): (ووهب).
[35] قوله: (إليه) زيادة من النسخ الفروع.
[36] في النسخ الفروع: (من ألفاظ المتناظرة في) وجاء في (ر): (المناظرة). وفي (ف) فوق (ألفاظ) كتب (الألفاظ).
[37] في (م): (المتنبأ المخير).
[38] في (ط) والفروع: (أنبئ).
[39] (به) سقطت من (ط) وفي الفروع: (ما أنبئ به وأخبر).
[40] في الأصل والفروع: (ينبئ عن المرسل والمرسل) والمثبت من (ط).
[41] في الأصل: (بقول) والمثبت من (ط).
[42] في (ف): (لكان) وفوقها (لصار).
[43] في النسخ الفروع: (مكرراً معاداً) وفي (م): (معاذاً) بالذال تصحيفاً.
[44] في (ر): (ليجمع لله).
[45] في (ر): (تقديراً).
[46] في (م): (تعديد النعمة).
[47] في النسخ الفروع: (الحالين).