أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: هكذا أنزلت إن القرآن أنزل على سبعة أحرف

          528/ 2419- قال أبو عبد الله (1) : حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ، قال: أخبَرَنا مَالِكٌ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ القَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ:
          سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ☺ يَقُولُ: سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الفُرْقَانِ علىَ غَيْرِ ما أَقْرَؤُهَا، وَكَان رَسُولُ اللهِ صلعم أَقْرَأَنِيهَا، فَكِدْتُ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّىَ انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ، فَجِئْتُ بِهِ رَسُولَ (2) اللهِ صلعم، فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هذا يَقْرَأُ (3) علىَ غَيْرِ ما أَقْرَأْتَنِيهَا. فقالَ لِي: «أَرْسِلْهُ» (4). ثُمَّ قالَ لَهُ: «اقْرَأْ». فَقَرَأَ، قَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ» (5). ثُمَّ قالَ لِي: «اقْرَأْ». فَقَرَأْتُ، فَقَالَ: «هَكَذَا أُنْزِلَتْ، إِنَّ القُرْآنَ (6) أُنْزِلَ (7) علىَ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَؤُوا منه (8) ما تَيَسَّرَ».
          قلت: قد تكلَّم الناسَ قديماً وحديثاً في معنى قوله: (أُنْزِلَ القرآنُ على سَبْعَةِ أحرف) (9) وذَهَبُوا في تأويله (10) إلى وُجُوهٍ مُختلفة، أَبْيَنُها في النَّظر (11) أنَّه أرادَ: أنَّ القرآن أُنْزِلَ مُرَخِّصاً للقارئ، ومُوَسِّعاً له أن يقرأ (12) بِسَبْعَةِ أحرف، يقرأ مَا تَيَسَّرَ له منها، كأنَّه يقول: أُنْزِلَ القرآنُ على هذا من الشَّرط؛ / أو أُنْزِلَ مَأْذُوناً للقارئ أن يقرأ على أي هذه الوجوه شاء (13).
          قلت: وليست هذه التَّوسِعَةُ عَامَّةً في جميع آي القرآن وألفاظه وحروفه، وإنَّما هو في بعضها، وهو (14) ما اتَّفق فيه المعنى أو تقارب، دون ما تباين منها واختلف، وإنَّما وقعت هذه السُّهُولَةُ في القراءات (15) إذْ ذَاكَ لِعَجْزِ كثير منهم عن أَخْذِ القرآنِ على وجه واحدٍ، وكانُوا قوماً (16) أُمِّيِّين، ولو كُلِّفُوا غيرَ ذلك، وأُخذُوا بأنْ يَقْرِؤُوه على قراءة واحدةٍ لَشَقَّ (17) عليهم، وَلأَدَّى ذلك إلى النَّفْرَةِ (18) والنَّبْوَةِ عنه، فلما زَالَت الأُمِّيَّة التي كانت فيهم (19)، وصارُوا يقرؤون ويَكْتُبُونَ، وقَدَرُوا على حِفْظِ القرآن لم يَسَعْهم أن يَقْرؤُوه على خِلاَفِ ما أَجْمَعَتْ عليه الصحابةُ، وكَتَبُوه في المُصْحَفِ؛ وذلك لاْرتفاع الضَّرورةِ الدَّاعية إليه، فلم يَسْتجيزوا القرآن إلَّا على معنى (20) خَطِّ المُصْحفِ المكتوب بإجماع الصحابة، واتِّفَاقِ الإمْلاَءِ منهم.
          وقد (21) اختلف العلماء في تفسير الحرف ومعناه، فَذَهَب بَعْضهم إلى أنَّ معنى (22) الحرف: الجهةُ، كقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ} [الحج:11]، أي: على جِهَةٍ من الرَّغْبَةِ في مالٍ، والطَّمعِ في نَفْعٍ (23) ومنال (24)، وبيانُ ذلك ما ذكرهُ اللهُ ╡ على أَثَرَه فقال (25) : {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج:11].
          وقال بعضُهم: معنى الحروف (26) هاهنا اللُّغات، يُريدُ أنَّه نزَلَ (27) على سَبْع لغات من لُغات العَرَب، وهي أفْصَحُ اللُّغات (28) وأعلاها في كلامهم، قالوا: وهذه اللُّغات مُتَفِّرقَةٌ في القرآن، غيرُ مُجْتَمِعَةٍ في الكلمة الواحدة.
          وقال بعضُهم: معنى الحرف هاهنا الإعرابُ، وأصلُ (29) الحرفِ الطَّرَفُ، يقال: هذا حَرْفُ الشيء؛ أي: طَرَفُه وحَاشِيتُه، والإعرابُ إنَّما يلزمُ آخرَ الأسماء، فَسُمِّيَ الإعرابُ باسْمِهِ، لأنَّه مَوْضِعُه ومَحَلُّه، ثمَّ اسْتُعْمِلَ ذلك فقيل: فلانٌ يقرأُ بحرف عاصم (30) وحَرْفِ أبي عَمْرٍو (31)؛ أي: بالوَجْه الذي اختاره من الإعراب، والمَذْهب / الذي ذَهَبَه فيه، وهذا كما قيلَ للغة: لَحْنٌ؛ وقد رُويَ أنَّ القرآن نزلَ بلَحْن قُرَيش (32)؛ أي: بلغتها، وكما قيل للقصيدة: كلمةٌ؛ ونحو ذلك من عاداتـهم (33) في تَسْمِيَة (34) الشيءِ باسم الجزء منه.
          وقال بعضهم: بل الحروفُ (35) هي الأسماء والأفعالُ المؤلَّفة من الحروف التي تَنْتَظِم منها كلمةٌ، فَيُقْرأ على سبعة أوجةٍ كقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:60]؛ قرئ على سبعة أوجه (36)، وكقوله: {نَرْتَعْ وَنَلْعَبْ} [يوسف:12]؛ قُرئ ذلك على سبعة أوجهٍ (37).
          فإنْ سُئِلَ على هذا المعنى فقيل (38) : كيف يجوز إطلاقُ هذا العَدَدِ على نُزُولِ الآية أو الكلمة وهي إذا نزلت مَرَّةً حَصَلَتْ مُنَزَّلةً (39) إلَّا (40) أنْ تُرْفَعَ، ثمَّ تَنْزِلَ بحرفٍ آخَر؟ كما إذا وُجِدَ الشيءُ مَرَّةً كان مَوْجوداً؛ إلَّا أنْ يُعْدَمَ بعدَ ذلك، ثمَّ يُوجَد، والمَقْروءَ من القرآنِ بحَضْرَتِنَا لم يُرْفَعْ، ولم تُنْسَخْ تِلاَوَتُه بعد نُزُوله.
          قيل: قد رُويَ أنَّ جبريلَ عليه السلام كان يُدَارِسُ رسولَ اللهِ صلعم القرآنَ كُلَّ سَنَةٍ في شَهْرِ رَمَضَانَ، ويُعَارِضُه إيَّاه، فينزل في كَلِّ عَرْضَةٍ بحرفٍ إلى أنِ اسْتوفَى (41) هذا (42) العدد، فحصل القرآن مُنَزَّلاً على معنى استيفاء هذا العدد (43).
          وحدَّثنا إسماعيلُ بنُ محمَّد الصَّفَّار، قال: حدَّثنا الرَّمَاديُّ، قال: حدَّثنا عبد الرَّزَّاق، قال: أخبرنا مَعْمَرٌ: عن الزُّهْري، عن عُبيد الله (44) بن عبد الله بن عُتْبَة، عن ابن عبَّاس، عن النبيِّ صلعم قال (45) : «أقَرأني جبريلُ عليه السلام على حَرْفٍ فراجَعْته، فلم أَزَلْ أَسْتَزِيدُهُ ويَزِيدُني، حتَّى انتهى إلى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» (46).


[1] (أبو عبد الله) سقط من (ط).
[2] في (ف): (إلى رسول الله).
[3] في (م) زيادة: (سورة الفرقان).
[4] (ثم قال لي أرسله) سقطت من (ف) و(م).
[5] قوله: (ثم قال له... هكذا أنزلت) سقط من (ط).
[6] (إن القرآن) سقط من (أ).
[7] في (ط): (أنزلت).
[8] (منه) سقطت من (أ) و(م).
[9] في (أ) و(ف): (تكلم الناس في هذا قديما وحديثاً).
[10] في الفروع: (وذهبوا فيه).
[11] في (أ) و(م): (أشبه ما قيل فيه).
[12] قوله (على سبعة... أن يقرأ) سقط من (ط).
[13] في الفروع: (مأذونا له فيه).
[14] (هو) سقطت من (ط).
[15] في (ط): (القرآن) وفي الفروع: (القراءة).
[16] (وكانوا قوماً) سقط من (ط).
[17] في (أ): (لعسر).
[18] في (أ) و(م): (النفور).
[19] في الفروع: (الأمية عنهم).
[20] (معنى) سقط من (ط).
[21] (وقد) سقطت من (ط).
[22] في الفروع: (فقال بعضهم).
[23] في (ط): (منع).
[24] قوله: (ومنال) زيادة من (ط).
[25] (على أثره فقال) سقط من (ط) وفي الفروع: (وبيانه قوله).
[26] في الفروع: (الأحرف).
[27] في الفروع: (أنزل).
[28] في الفروع: (وهن أفصح لغات العرب).
[29] في الفروع: (لأن).
[30] عاصم بن بَهْدَلَة، وهو ابن أبي النجود، شيخ الإقراء بالكوفة، وأحد القراء السبعة، روى عنه حفص توفي سنة 128هـ (انظر طبقات القراء 1/ 2346).
[31] هو زبان بن العلاء بن عمار التميمي المازني، أبو عمرو بن العلاء، أحد القراء السبعة المشهورين، كان إمام أهل البصرة في القراءات والنحو واللغة توفي سنة 154 هـ (انظر، إنباه الرواة 4/ 125-133).
[32] انظر: البخاري رقم (3506)، عن أنس بن مالك.
[33] في الفروع: (ونحوه).
[34] في الفروع: (تسميتهم).
[35] في (ط): (الحرف).
[36] انظر: في قراءاتـها: كتاب السبعة 246، وحجة القراءات 231، والكشف لمكي 1/ 414، وتفسير القرطبي 6/ 235، والشواة لابن خالوية 33، والبحر المحيط 3/ 519.
[37] انظر: في قراءاتـها: كتاب السبعة 345، والحجة لأبي زرعة 355، والتيسير للداني 128، والبحر المحيط 5/ 285، والدر المصون 6/ 449، والمحرر الوجيز لابن عطية 9/ 258.
[38] في الفروع: (فإن قيل على هذا).
[39] (حصلت منزلة) سقطت من (ط) وفي الفروع: (حصلت كما هي).
[40] في (ط): (إلى).
[41] في (م): (استوى).
[42] في (أ): (هذه).
[43] قوله: (فحصل القرآن... هذا العدد) سقط من(ط) وفي الفروع (منزلاً عليه).
[44] في (ط): (عبد الله) مكبراً.
[45] في (أ) و(م): (ولهذا قال) وسقط منهما السند كله.
[46] انظر: البخاري رقم (4991)، عن ابن عباس.