أعلام الحديث في شرح معاني كتاب الجامع الصحيح

حديث: سترون بعدي أثرةً فاصبروا حتى تلقوني

          519/ 2376- قال أبو عبد الله: حدَّثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حدَّثنا حَمَّادٌ، عن يَحْيَىَ بْنِ سَعِيدٍ، قالَ:
          سَمِعْتُ أَنَساً قالَ: أَرادَ رسول الله صلعم أَنْ يُقْطِعَ مِنَ البَحْرَيْنِ، فقالت الأَنْصارُ: حَتَّىَ تُقْطِعَ لِإِخْوانِنا مِنَ المُهاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنا. قالَ: «سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فاصْبِرُوا حَتَّىَ تَلْقَوْنِي».
          قلت: الإقطاع إنَّما هو عطاء يعطيه الإمام أهل السَّابقة والفضل، وإنَّما يُسمَّى (1) إقطاعاً إذا كان ذلك أرضاً أو عقاراً، أو ما كان في معناهما ممَّا له أصل، وهو نوع من التمليك، وإذا ملكه المستقطَع صار ملكاً له، يُورَثُ كسائر أملاكه.
          وإنَّما يعطيه الإمام من الفيء، فلا يعطي (2) من حقِّ مسلمٍ، ولا من حقِّ ذي عهدٍ، وما كان نفعه عاجلاً وخيره عامّاً للمسلمين لم يجز فيه الإقطاع.
          ويشبه أن يكون إقطاعه من البحرين إنَّما هو على أحد وجهين: إمَّا أن يكون ذلك من الموات الذي لم يملكه أحد فيُمتَلك بالإحياء. وإمَّا أن يكون ذلك من العِمارة من حقِّه في الخمس، فقد روي أنَّه افتتح البحرين، فترك أرضها ولم يقسمها (3)، كما فتح أرضَ بني النَّضير فتركها ولم يقسمها (4) كما قسم خيبر.
          وذهب أكثر أهل العلم (5) إلى أنَّ العامرَ من الأرض الحاضر النفع والأصول من الشجر، كالنخل ونحوها (6)، والمياه التي في العيون، والمعادن (7) الظاهرة، كالملح والقِيْر (8) ونحوها، لا يجوز إقطاعها؛ وذلك أنَّ الناس كلَّهم شركاء في الماء والملح (9)، وما كان في معناهما ممَّا يستحقُّه الآخذ له بالسَّبْق إليه، فليس لأحد أن / يحتجبها لنفسه، ويحظُر مَنَافِعَها على شركائه من المسلمين (10)، وقد كان رسول الله (11) صلعم أقطع أبيضَ (12) بن حَمَّالٍ المِلح الذي بمأرب، فقيل: إنَّه كالماء العِدِّ؛ فردَّه، وقال: «فلا إذاً» (13).
          فأمَّا إقطاع المعادن التي لا يتوصَّل إلى نَيْلها ونفعها إلَّا بكدح واعتمال (14) واستخراج لما في بواطنها، فإنَّ ذلك لا يوجب الملك الباتَّ، ومن أُقطِع شيئاً منها كان له ما دام يعمل فيه، فإذا قَطَعَ العملَ عاد إلى أصله، فكان للإمام إقطاعُه لغيره (15).
          وقوله: (سترون بعدي أَثَرَةً) أي (16) : اسْتِئثاراً عليكم، واسْتِبْدَاداً بالحَظِّ دُونكم.
          يقال: آثَرْتُ الرَّجُلَ بالشيء، أوثِرهُ إيثاراً، والاسم منه الأثَرَةُ، والأُثْرَةُ، وكم بين قوم {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] وبين قومٍ يَسْتَأَثِرُونَ بحقوقِ غيرهم (17)، ويقتطعونـها دُونهم، والله يغفُر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ونسأله أن لا يَجعل في قلوبنا غلّاً للذين أمنوا إنَّه (18) رَؤُوفٌ رحيم.


[1] في (م): (سُمِّيَ) ما ضوية.
[2] في (ف): (ولا يعطيه).
[3] انظر: البخاري رقم (3163) عن أنس بن مالك.
[4] قوله: (كما فتح أرض.... يقسمها) سقط من (ط).
[5] في (أ) و(م): (أكثر العلماء).
[6] في الفروع: (وغيرها).
[7] في (ط): (والعادين).
[8] زاد في الفروع: (والنفط).
[9] انظر: سنن أبي داود رقم (3477)، عن رجل من المهاجرين.
[10] في الفروع: (على أحد من شركائه المسلمين).
[11] في الفروع: (الرسول).
[12] في (أ): (النضر).
[13] انظر: سنن أبي داود رقم (3064)، عن أبيض بن حَمَّالٍ.
[14] في (م): (وإعمال).
[15] في الفروع: (غيره).
[16] في الفروع: (أي ترون).
[17] في الفروع: (فكم بين من يؤثر على نفسه عند الخصاصة وبين من يستأثر بحق غيره).
[18] في (ط): (إنك).