الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة

حديث الصلاة على شهداء أحد

          الحديث الخامس عشر: سؤالك عن ترك الصَّلاة على الشهداء، وعن صلاة رسول الله صلعم على شهداء أُحد بعد ثماني سنين.
          فالجواب عن ذلك أنَّ الصَّلاة على الشَّهيد غيرُ مجمعٍ عليها ولا على تركها، وقد اختلفت الآثار عن النَّبيِّ صلعم في ذلك، واختلف علماء المسلمين فيه، فروى جابر وغيره عن النَّبيِّ صلعم: أنَّه لم يصلِّ(1) على قتلى أُحدٍ، وبذلك قال مالك بن أنسٍ، والليث بن سعدٍ والشَّافعيُّ، وجماعة، وروى ابن عبَّاس، وابن الزُّبير: أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى على حمزة وعلى سائر شهداء أُحدٍ، وبذلك قال فقهاء العراقيِّين والشَّاميِّين، وروى عقبة بن عامر أنَّ رسول الله صلعم خرج يومًا فصلَّى على أهل أُحدٍ صلاته على الميِّت.
          وهذا عندي _والله أعلم_ يحتمل أن يكون خرج إليهم فدعا / لهم بالرحمة والمغفرة كما يُدعى للميِّت، والصلاة في اللغة: الدعاءُ، وليس في دعائه لهم ما يحتاج إلى القول؛ لأنَّه لعلَّه أُمر بذلك كما أُمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، وسواء دعا لهم بعد ثماني سنين أو ثمانين سنة، فقد خرج رسول الله صلعم إلى البقيع فصلَّى على أهله، وذكر أنَّه بذلك أُمر، ومعنى ذلك عندنا أيضًا أنَّه دعا لهم، فإن ظنَّ ظانٌّ أنَّ صلاته على شهداء أُحدٍ من أجل أنَّه لم يصلِّ عليهم _وهذا لا يظنُّه عالم_ وقد صحَّ عنه صلاته صلعم على أهل البقيع، والاختلاف بين أهل العلم قديمًا وحديثًا في الصَّلاة على الشُّهداء أشهرُ وأعرف وأكثر من الاختلاف في غسلهم، فإنَّ الآثار في ترك غسلهم لم تكد تضطرب ولا تختلف، وإنْ كان سعيد بن المسيِّب، والحسن البصري، وعبيد الله بن الحسن العنبري؛ قد قالوا: إنَّ الشهداء كلَّهم مَن قتله منهم العدوُّ ومَن قُتل في المعترك من أنواع الشهداء كلِّهم يُغسَّلون ويصلَّى عليهم، وقال سائر العلماء من التابعين وفقهاء الأمصار وأهل الآثار إنَّهم لا يغسَّلون، واختلفوا في الصَّلاة عليهم على حسب ما ذكرتُ لكَ ومسائل الخلاف يتَّسع فيها القول؛ لأنَّ لكلٍّ وجهًا لم يذهب إليه إلَّا بعد اجتهاد، والله الموفِّق للصواب. /


[1] في المخطوط: (لم يزل يصل).