الأجوبة المستوعبة عن المسائل المستغربة

مقدمة المصنف

          ♫
          ربِّ يسِّر
          الحمد لله الكبير المتعال، المنفرد بالعزِّ والكمال، خلق الخلق على غير مثال، بعث الرُّسل، ونهج السُّبل، وختم أنبياءه بمحمَّدٍ صلعم، أرسله بالحقِّ والهدى كاشفًا للحيرة والعمى، أنزل عليه كتابه النَّاطقَ بكلامه الصَّادق؛ ليُبيِّن للناس ما يتَّقون، وما بهم إليهم الحاجة ممَّا يُعلِّم صلعم وعلى آله أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.
          أمَّا بعد:
          رعاك الله وكلاك، وزاد في توفيقك وتقواك، فإنَّه وردني كتابك الكريم، تضمَّن عن النُّطق عن محبَّتك، وجميل طويل ودِّك، من حرصك على العلم، والازدياد من الفهم، وكريم العناية والاجتهاد والدِّراية، والجري في ميدان الطَّلب إلى الغاية، وسألتُ الله تعالى المزيد من آلاءه(1) عندك، وإحسانه إليك، وحسن عونه على ما يرضاه ويُزْلِف إليه ويقرِّب منه، وإليه أبتهل(2) لا شريك له، في أن يَهَبَ لنا ولك علمًا نافعًا، وأن يُجِرْنَا من علمٍ لا ينفع، ودعاءٍ لا يسمع.
          وذكرتَ في كتابك أنَّ علماء زمانك، وفقهاءِ / مصرك أغفلوا حديث الرَّسول صلعم، ونبذُوه وراءهم ظهريًّا، وقرؤوا ظاهره ولم يعلموا باطنه، وتركوا الأصول وعوَّلُوا على الفروع، إلى سائر ما أوردته من الإطراء الذي نحن عنه في غنًى، وذكره عَنا، وذكرتَ أنَّه استعجم عليك من «الجامع الصَّحيح» للبخاريِّ ⌂ أحاديث استُغلِقت عليك معانيها، ورجوتني لكشف المُعَمَّى عنك فيها، وسألتني شرحَها وبسطَها بما حضرني، وألفاني كتابُك عليل اللَّحم والقلب، قليل النَّشاط، مشغول الفكر، ولكنِّي مع ذلك لم أرَ أن أخلِيَكَ من الجواب بما أمكن وحضر، على أنَّ الاختصار(3)، وترك التَّطويل، وحذف الاحتجاج والدَّليل، فذكرتُ أحاديثك في كتابي هذا على حسب ما كتبتَ به، وجئتُ بلفظِكَ في سؤالِك على حسب ما أوردته، وجاوبت عن ذلك بما حضرني حفظه(4)، ويُسِّرَ لي ذكره، مُستجيرًا بالله من الزَّلل في القول والعمل، ومستصغِرًا(5) لنفسي وباكيًا عليها؛ إذ الأيَّام أَحْوَجَتْ إليها، ولعمري إنَّه لموضع البكاء؛ لإغفال أهل الطَّلب ما كان عليه سلفهم؛ من طلب السُّنن ومعانيها، وجمع / الأصول وحفظها، والعناية بكتاب الله ╡، والتَّفهُّم والتَّفقُّه فيه، وفي سنَّة الرّسول صلعم، وإضرابهم عن ذلك كلِّه، إلى ما قد حلا على قلوبهم ممَّا يحتليون(6) به دنياهم، وفَّقنا الله تعالى وإيَّاهم لما يرضى به عنَّا، وألهمنا الصَّبر، وأعاننا عليه من الأيَّام القليلة المعدودة الفانية، وجعلنا من الطَّائفة الظَّاهرة بالحقِّ التي لا يضرُّها من ناوأها إلى أن تقوم السَّاعة، آمين برحمته.
          وهذا حين أصيرُ إلى ذِكر الأحاديث والقول فيها بعون الله تعالى، وهو حسبي ونعم الوكيل.


[1] رسمها في الأصل: آله، وفي المطبوع: (البر).
[2] في المطبوع: (ويقرب منه إليه، أبتهل).
[3] هكذا في المخطوط، ولعلَّ صواب العبارة: أن يكون لاختصار.
[4] في المطبوع: (حظه).
[5] الذي في المخطوط: (مستغصرًا)، وفي المطبوع: (ومستعصرًا)، فلعلها: (مستقصرًا) أو ما أثبتُ.
[6] يقال: احْتَلى فلان لنفقة امرأَته ومهرها، وهو: أَن يتَمَحَّلَ لها ويَحْتالَ أُخِذَ من الحُلْوانِ. انظر التاج مادة (حلو).