البخاري أضواء على حياته وجامعه

الرحلة في طلب العلم

          الرحالة
          في ضيافة الله
          في عام (210هـ) شدَّ البخاريُّ رحاله إلى بيت الله الحرام، وبصحبته أخوه الأكبر ووالدته. كان سنة ست عشرة سنة. طلَبُ أولئك الحجَّ، وطلبه بالإضافة إلى تأدية الفريضة أن يلتقي بعلماء الحرم، فيجمع إلى نفحاته نفحاتهم، ويرتوي من الحديث كما يرتوي من زمزم...
          ولقد رجع شقيقه أحمد ورجعت أمه معه، وبقي البخاريُّ يرتشف من بحر السنَّة ما شاء الله أن يرتشف، يحضر مجالس العلم ويلازم العلماء، ومنهم أحمد بن محمد الأزرقي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، ويرحل إليهم، ولولا نبأ وفاة إمام اليمن عبد الرزاق لرحل إليه؛ ليروي عنه الحديث، وفي ظلال الحرم بدأ يكتب «الجامع الصَّحيح».
          في مدينة الرسول
          وانتقل شيخنا من مكَّة إلى المدينة، وهناك أطالَ وقوفه عند نبيه صلعم يقرئه السلام، / ويَنعَم بالنور؛ ليعيش أياماً سعيدة بين منبر الرسول صلعم وقبره، يكتفي بأشعة القمر؛ ليكتب في ضوئه كتاب «التاريخ الكبير» الذي خشي أن يطول، وكان بنيَّته أن يترجم من حفظه لكلِّ اسمٍ فيه بترجمة إضافية، فعدل عن ذلك خشية التطويل وفيه ░40▒ ألف اسم.
          قضى البخاري في الحرمين ست سنين، تضلَّع فيها بعلوم الحديث والرواية، كما تصدَّر فيهما دروسَ العلم، وأصبح أحد أعلام السُّنة، يقصده طلبة العلم للرواية.
          في دار السلام
          طاف إمامنا عواصم العلم في الوطن الإسلامي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى غربه، والتقى في دار السلام بالإمام أحمد بن حنبل فتتلمذ عليه، ورأى أحمدُ نبوغ البخاري فقرَّبه إليه في مجلسه وهو إمام بغداد في الفقه والحديث، واستفاد البخاري منه كل الفائدة، فرأى فيه الشجاعة في الحقِّ، والصبر على المحن، وكأنَّ القدر هيَّأ لهما امتحاناً في مسألة واحدة هي فتنة خلق القرآن.
          ولما توفي الإمام أحمد جلسَ في مجلسه، وأقبلت بغداد على البخاري؛ لتنهل من علمه وترتوي من رواية الحديث، حتى كان في مجلسه ثلاثة مستملين يبلِّغون صوت الإمام إلى ما يزيد على عشرين ألفاً. /