الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما كان يبعث النبي من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد

          ░4▒ (باب: كَانَ النَّبيُّ صلعم يَبْعَثُ مِنَ الأُمَرَاء والرُّسُل وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ)
          قالَ الحافظُ: وقد سبق إلى ذلك أيضًا الشَّافعيُّ فقال: بعث رسول الله صلعم سراياه وعلى كلِّ سريَّة واحد، وبعث رسله إلى الملوك إلى كلِّ ملِكٍ واحد.
          قالَ الحافظُ: فأمَّا أمراء السَّرايا فقد استوعبهم / محمَّد بن سعد في التَّرجمة النَّبويَّة، وعقد لهم بابًا سمَّاهم فيه على التَّرتيب، ثمَّ ذكرَ الحافظُ أسماء أمراء البلاد الَّتي فُتحت، وكذا ذكر بعض أمراء القرى، ثمَّ قالَ: وأمَّا رسله إلى الملوك فسمَّى منهم دِحْيَة وعبد الله بن حُذافة، وهما في هذه التَّرجمة، وأخرج مسلم أنَّ النَّبيَّ صلعم بعث رسله إلى الملوك، يعني الَّذِين كانوا في عصره، وقد استوعبهم محمَّد بن سعد أيضًا. انتهى.
          ثمَّ لا يذهب عليك أنَّ هذه التَّرجمة بظاهرها مكرَّرة، لأنَّه قد تقدَّم قريبًا في مبدأ كتاب أخبار الآحاد وكيف بعث النَّبيُّ صلعم أمراءه واحدًا بعد واحد، ويمكن التَّفصِّي عنه بأنَّ الأولى ليست بترجمة مستأنَفة بل هي جزء للتَّرجمة، أو يقال: إنَّ التَّرجمة الأولى مثبِتة_بكسر الباء_ لأصل الباب، وهو إجازة خبر الواحد، وهذه التَّرجمة مثبَتة_بفتح الباء_ كما بسطت ذلك في الأصل السِّتِّين مِنْ أصول التَّراجم، مِنْ أنَّ بعض التَّراجم يكون مثبتًا. انتهى.
          ثمَّ لا يَخفى عليك أنَّ القصَّة المذكورة في حديث الباب غير القصَّة المذكورة في ترجمة الباب، لا كما توهَّم بعض الشُّرَّاح مِنِ اتِّحاد القصَّتين.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: وقد قرأت في «تلقيح(1) الزَّرْكَشيِّ» ما نصُّه: ((عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّ رسول الله صلعم بعث بكتابه إلى كسرى)) ثمَّ قالَ: كذا وقع الحديث في الأمَّهات، ولم يذكر فيه دحية بعد قوله: بعث، والصَّواب إثباته، وقد ذكره البخاريُّ معلقًا وهو الصَّواب. انتهى.
          ونقله عنه صاحب «المصابيح» ساكتًا عليه، قال في «الفتح» بعد أن ذكره: فيه خبط، وكأنَّه توهَّم أنَّ القصَّتين واحدة، وحمله عل ذلك كونهما مِنْ رواية ابن عباس، والحقُّ أنَّ المبعوث لعظيم بصرى هو دحية، والمبعوث لعظيم البحرين عبد الله بن حذافة، وإن لم يسمَّ في هذه الرِّواية، فقد سُمِّيَ في غيرها، ولو لم يكن في الدَّليل على المغايرة بينهما إلَّا بعد ما بين بصرى والبحرين، فإنَّ بينهما نحو شهر، وبصرى كانت في مملكة هِرَقْل ملك الرُّوم، والبحرين كانت في مملكة كسرى ملك الفرس، قال: وإنَّما نبَّهت على ذلك خشية أن يغترَّ به مَنْ ليس له اطِّلاع على ذلك، والله الموفق. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((تنقيح)).