الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب صاع من زبيب

          ░75▒ (باب: صَاع مِنْ زَبِيب)
          وفي «الأوجز»: قال الباجيُّ: أمَّا الزَّبيب فلا خلاف في جواز إخراجه بين فقهاء الأمصار، وحكى(1) عن بعض المتأخِّرين المنع مِنْ ذلك، وهو محجوج بالإجماع قَبْله. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ في «البناية»: فيه خلاف الظَّاهريَّة / إذ لا يجوز عندهم إلَّا مِنَ التَّمر والشَّعير. انتهى.
          قلت: ويُخرج منه الصَّاع الكامل عند الأئمَّة الثَّلاثة لأنَّ المقدار صاع مِنْ كلِّ شيء عندهم، وكذا صاع كامل في الزَّبيب عند صاحبَي الإمام أبي حنيفة، وهي رواية عن الإمام، وعليه الفتوى، وفي رواية أخرى له: نصف صاع منه. انتهى.
          ثمَّ قال الحافظ: كأنَّ البخاريَّ أراد بتفريق هذه التَّراجم الإشارة إلى ترجيح التَّخيير في هذه الأنواع(2). انتهى.
          قلت: توضيحه ما في «الأوجز» أنَّهم اختلفوا في أنَّ لفظة (أو) في هذه الأحاديث للتَّخيير، أو لتعيين واحد منها، وهو الغالب.
          قال ابن رشد: ذهب قوم إلى أنَّها تجب مِنْ هذه الأشياء على التَّخيير، وقوم ذهبوا إلى أنَّ الواجب عليه هو غالب قوت البلد، أو قوت المكلَّف إذا لم يقدر على قوت البلد، والثَّاني مذهب الشَّافعيِّ ومالك، والأوَّل مذهب الحنفيَّة والحنابلة، وإليه يظهر ميلُ البخاريِّ على رأي الحافظ.
          لكنَّ الوجه(3) عندي في غرض البخاريِّ أنَّه أشار بذلك إلى التَّرتيب بين هذه الأشياء، وهو أنَّ الأَولى في التَّرتيب مِنْ [بين] الأطعمة الشَّعيرُ، ثمَّ باقي الأطعمة، ثمَّ التَّمر، ثمَّ الزَّبيب على ترتيب التَّراجم على خلاف التَّرتيب المذكور في كتب الشَّافعيَّة.
          ففي «شرح الإقناع»: فعُلم أنَّ الأعلى البُرُّ، فالشَّعير، فالأرزُّ، فالتَّمر، فالزَّبيب، ويتردَّد النَّظر في بقية الحبوب كالذُّرة والحِمِّص وغيرهما. انتهى.
          ولعلَّه ☺ قدَّم الشَّعير على بقية الأطعمة لكونه منصوصًا بخلاف غيره مِنَ الأطعمة، فتأمَّلْ فإنَّه دقيق وخاطري أبو عذرِهِ.
          ثمَّ اعلم أنَّ المصنِّف ☼ ترجم على جميع الأنواع الواردة في الأحاديث بترجمة مستقلَّة، ولم يترجم للأَقِط مع تخريجه حديث الأَقِط، وهو دليل على أنَّ كون الحديث عند البخاريِّ ليس بدليل على أنَّه معمول به عنده.
          قال الحافظ: كأنَّه لا يراه مجزئًا في حال وجدان غيره كقول أحمد، وحملوا الحديث على أنَّ مَنْ كان يخرجه كان قوتَه إذ ذاك، أو لم يقْدِر على غيره، وظاهر الحديث يخالفه، وعند الشَّافعيَّة فيه خلاف(4). انتهى مختصرًا.
          قلت: والمسألة شهيرة بسطت في «الأوجز»، جملتها أنَّه يجزئ عند المالكيَّة صاعٌ مِنْ أَقِط إذا كان مِنْ أغلب القوت، صرَّح به الدَّرْدِير وغيره، والمشهور عن الشَّافعيِّ في ذلك قولان:
          أحدهما: مثل قول مالك.
          والثَّاني: أنَّه لا يجزئ.
          والمشهور في شروح الحديث عن الإمام أحمد عدم جوازه، لكن يظهر مِنْ كلام الموفَّق عن أحمد روايتان:
          الأوَّل(5): الإجزاء مُطْلقًا.
          والثَّاني: الإجزاء بشرط كونه غالب القوت أو عدم وجدان الغير، وعندنا الحنفيَّة: يجزئ إخراجه باعتبار القيمة. انتهى مختصرًا.


[1] في (المطبوع): ((وحُكي)).
[2] فتح الباري:3/372
[3] في (المطبوع): ((الأوجه)).
[4] فتح الباري:3/372
[5] قوله: ((الأول)) ليس في (المطبوع).